روى أبو داود في سننه عن أبي موسى الأشعري – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أن رسول الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: " إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ". أي أن من تبجيل الله وتعظيمه إكراماً من شاب في الإسلام شيبة حسنة؛ لحرمته عند الله عز وجل، وإكرام حافظ القرآن والعامل به والمعلم غيره قراءته وفق قواعد التجويد، فالحامل للقرآن مكلف بحفظه وتلاوته وتعليمه وتدبر معانيه والعمل بما فيه، لهذا قيل له: حامل القرآن. وأما إكرام ذي السلطان المقسط فهو أوجب من إكرام غيره؛ لأنه نادر الوجود، فليس من السهل أن تجد حاكماً عادلاً يحكم بما أنزل الله ويعدل بين الرعية، ويقسم بين الناس بالسوية، فإذا وجد كان حقاً على الناس أن يحملوه فوق الأعناق، وأن يعظموه في أنفسهم تعظيماً بليغاً. وإذا كان ذو السلطان المقسط حاملاً للقرآن فأنعم به وأكرم. وإذا شاب في الإسلام شيبة فهو خير من يمشي على الأرض بعد النبيين. الدرر السنية. نسأل الله لي ولكم صلاح الدين والدنيا.
الدرر السنية
وقسم ليس لهم مزية اختصاص بحق خاص، وإنما لهم حق الإسلام وحق الإنسانية؛ فهؤلاء حقهم المشترك:
أن تمنع عنهم الأذى والضرر بقول أو فعل، وأن تحب للمسلمين ما تحب لنفسك من الخير وتكره لهم ما تكره لها من الشر. بل يجب منع الأذى عن جميع نوع الإنسان وإيصال ما تقدر عليه لهم من الإحسان.
أنزلوا الناس منازلهم – تجمع دعاة الشام
وانظر إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي قحافة - قبل أن يُسلم -، فقد ذكر الإمام ابن حجر في الإصابة أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما دخل مكةَ فاتحا، ودخل المسجدَ الحرام، أتى أبو بكر رضي الله عنه بأبيه أبي قحافة يقوده، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ( هلاّ تركتَ الشَّيْخَ في بيته حتى آتيه؟) فقال: "يمشي هو إليك يا رسول الله أحق أن تمشي إليه"، فأجلسه بين يدي رسول الله، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: ( أسلم تسلم)، فأسلم، وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بإسلام أبيه. ومن ذلك أيضا: أمر الصغار بالخير، ونهيهم عن الشر بالرفق والترغيب، وبذل ما يناسب من الدنيا لتنشيطهم وتوجيههم إلى الخير، واجتناب العنف القولي والفعلي، قال صلّى الله عليه وسلم: ( مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر) رواه أبو داود ، وقد سلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذلك المسلك مع المؤلفة قلوبهم - من العطاء الدنيوي الكثير - ما يحصل به التأليف، ويترتب عليه من المصالح، ولم يفعل ذلك مع من هو معروف بالإيمان الصادق تنزيلاً للناس منازلهم. ومن ذلك أيضا: مخاطبة الزوجة والأولاد الصغار بالخطاب اللائق بهم الذي فيه بسطهم، وإدخال السرور عليهم.
أنزلوا الناس منازاهم!!!! | مجلس الخلاقي
هذا هو الغرض من إعداد هذا البحث الميسر ذي الأسلوب البسيط، ولما سئل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الناس، قال: (الناس ثلاثة: رجل، ونصف رجل، ولا رجل، فأما الرجل، فذو الرأي والمشورة، وأما الرجل الذي هو نصف رجل، فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الذي ليس برجل، فالذي ليس له رأي ولا يشاور) [4]. وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم:
(قال (رحمه الله): وقد ذكر عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم، هذا الحديث قد تقدم بيانه في فصل التعليق من الفصول المتقدمة واضحاً ومن فوائده تفاضل الناس في الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم، وهذا في بعض الأحكام أو أكثرها، وقد سوى الشرَّع بينهم في الحدود وأشباهها مما هو معروف والله أعلم) [5]. وفي القادم إن شاء الله نتناول تفصيل هذا الأمر، كالتالي:
• تصنيف الناس إلى مراتب. • الميزان الذي تزن به الناس. • الدمَّار والخراب في عدم إنزال الناس منازلهم. هذا... ونسأله تعالى أن يوفقنا على إعطاء الموضوع حقه ومستحقه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على النبي محمد وسلم تسليماً كثيراً. انزلوا الناس منازلهم حديث. [1] عن ميمون بن أبي شبيب (رحمه الله) أن عائشة رضي الله عنها مَرَّ بها سائل فأعطته كِسْرَةً، ومَرَّ بها رجلٌ عليه ثيابٌ وهيئةٌ، فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك ؟ فقالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أَنزلوا النَّاس منازلهم)).
ضرورة إنزال الناس منازلهم
المؤمن يُنزل الناسَ منازلهم، ولا يجعلهم على حدٍّ سواء في إكرامهم وتقديرهم، بل على حسب مراتبهم في الدِّين، ومراتبهم في كبر السن، ومراتبهم في وظائفهم الشَّرعية: فالقاضي له حقّه، والعالم له حقّه، والسلطان له حقّه، والأمير له حقّه، والشيخ كبير السن له حقّه، والوالد له حقّه، والأخ الكبير له حقّه، والجار له حقّه، وهكذا، فكلّ إنسانٍ يُعْطَى حقَّه المناسب له بحسب ما جاءت به الشريعة. شرح رياض الصالحين (129 من حديث: إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم.. )
(3) موضوعٌ مرفوعاً. أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/236-237, والقضاعي في "مسند الشهاب" 1/427-428, وابن حبّان في "المجروحين" 2/118, 3/74, والخطيب في "المتّفق والمفترق" رقم: 153, وذكره السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/211 من حديث أنس وابن عبّاس وحكم عليه بالوضع, وقال: إنّما يعرف هذا من قول الفضيل بن عياض. وانظر: "المقاصد الحسنة" ص49, "مختصر المقاصد" ص58, "التمييز" ص20, "الكشف" 1/125, "تنزيه الشريعة" 1/263, "المنار المنيف" ص100, "الفوائد المجموعة" ص31, "الغماز على اللماز" رقم: 21, "أسنى المطالب" ص52, "تحذير المسلمين" ص81, "اللؤلؤ المرصوع" رقم: 41. :: العضويه الذهبيه::
توفيق القاضي
المستوى: 7
ديسمبر 5, 2007
6, 536
65
موضف بــ الجوالات
k_s_a
بارك الله فيك
ودمت بالف خير
المزيد من هذا القسم
انشر هذه الصفحة
وفيه: أن تفاوت الناس في منازلهم ليس مما ينفي ما يكون من تساويهم في بعض الأمور، فإن إنزال الناس منازلهم لا يعني ذلك أن يُبخس أحدٌ أو يُظلم ففي الحدود على سبيل المثال ليس ثمة فرقٌ بين عليٍ وشريف، وبين وضيعٍ ومتدني، بل الجمع في إقامة الحدود على وجهٍ واحد ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « أتشفع في حدٍ من حدود الله والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها »
صحيح البخاري (4304) وصحيح مسلم (1688). فدل ذلك على أن إنزال المنازل لا يلغي ما سوت الشريعة الناس فيه من إقامة الحقوق وسائر ما وقع الاستحقاق فيه بين الناس على درجةٍ واحدة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتفطن إلى هذا المعنى، وأن إنزال الناس منازلهم لا يعني أن يأخذ الإنسان ما لا يستحق أو أن يُحابى فيما يجب تسويته بغيره، فإن ذلك من الظلم ومن إنزال الحديث في غير مواضعه، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد. هذا الحديث الذي فيه هذا الخبر هو من نقل ميمون، ولم يكن قد أدرك عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ أي لم يلتقي بها، لم يسمع منها ـ رضي الله تعالى عنها ـ ولهذا ضعف جماعة من العلماء هذا الحديث. ، وقال آخرون: بل هو صحيح. ، وعلى كل حال ما دلَّ عليه الحديث هو مما توافرت في الدلالة عليه نصوص كثيرة وأحاديث عديدة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو من العدل والقسط الذي أمر الله به.