وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللَّهُ أَحَدًا أي: فلما أنكروا البعث أقدموا على الشرك والطغيان. تفسير سورة الذاريات الآية 56 تفسير السعدي - القران للجميع. وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ أي: أتيناها واختبرناها،
فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا عن الوصول إلى أرجائها [ والدنو منها]
، وَشُهُبًا يرمى بها من استرق السمع، وهذا بخلاف عادتنا الأولى، فإنا كنا نتمكن
من الوصول إلى خبر السماء. وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ
فنتلقف من أخبار السماء ما شاء الله. فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَابًا رَصَدًا أي: مرصدا له، معدا لإتلافه وإحراقه، أي: وهذا له شأن عظيم، ونبأ
جسيم، وجزموا أن الله تعالى أراد أن يحدث في الأرض حادثا كبيرا، من خير أو شر،
فلهذا قالوا: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ
أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا أي: لا بد من هذا أو هذا، لأنهم رأوا الأمر تغير
عليهم تغيرا أنكروه، فعرفوا بفطنتهم أن هذا الأمر يريده الله، ويحدثه في الأرض،
وفي هذا بيان لأدبهم، إذ أضافوا الخير إلى الله تعالى، والشر حذفوا فاعله تأدبا مع
الله. وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ أي:
فساق وفجار وكفار، كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا أي: فرقا متنوعة، وأهواء متفرقة، كل
حزب بما لديهم فرحون.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 23
ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول إلى الجن، كما
هو رسول إلى الإنس ، فإن الله صرف نفر الجن ليستمعوا ما يوحى إليه ويبلغوا قومهم. ومنها: ذكاء الجن ومعرفتهم بالحق، وأن الذي ساقهم إلى الإيمان
هو ما تحققوه من هداية القرآن، وحسن أدبهم في خطابهم. ومنها: اعتناء الله برسوله، وحفظه لما جاء به، فحين ابتدأت
بشائر نبوته، والسماء محروسة بالنجوم، والشياطين قد هربت عن أماكنها، وأزعجت عن
مراصدها، وأن الله رحم به الأرض وأهلها رحمة ما يقدر لها قدر، وأراد بهم ربهم
رشدا، فأراد أن يظهر من دينه وشرعه ومعرفته في الأرض، ما تبتهج به القلوب، وتفرح
به أولو الألباب، وتظهر به شعائر الإسلام، وينقمع به أهل الأوثان والأصنام. ومنها: شدة حرص الجن لاستماع الرسول صلى الله عليه وسلم،
وتراكمهم عليه. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 6. ومنها: أن هذه السورة قد اشتملت على الأمر بالتوحيد والنهي عن
الشرك، وبينت حالة الخلق، وأن كل أحد منهم لا يستحق من العبادة مثقال ذرة، لأن
الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم، إذا كان لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا، بل ولا يملك
لنفسه، علم أن الخلق كلهم كذلك، فمن الخطأ والغلط اتخاذ من هذا وصفه إلها [ آخر]
مع الله. ومنها: أن علوم الغيوب قد انفرد الله بعلمها، فلا يعلمها أحد من الخلق،
إلا من ارتضاه الله وخصه بعلم شيء منها.
[٦] وإنّ منهم مسلمين ومنهم قاسطين جائرين عن طريق الهدى، فالمسلمون هم المتّبعون للحقِّ والرشد، والقاسطون هم الذين جانبوا الصواب وابتعدوا عن الحقِّ، وسيكون جزاؤهم في الآخرة أن يُجعلوا حطبًا ووقودًا لنار جهنّم، [٦] ويقول الله -تعالى- لو أنّ هؤلاء آمنوا واتّبعوا الحق والطريقة المثلى لشربوا ماء هنيئًا وافرًا؛ كناية عن كثرة إنعامه عليهم، ليختبرهم بهذه النعم، فمن كان كافرًا جاحدًا فسيكون مآله إلى العذاب الشديد. [٧]
الحديث عن مكانة المساجد والأمر بتوحيد الله
قال -تعالى-: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا): [٨] تأمر هذه الآية بوجوب تنزيه المساجد عن دعوة غير الله -تعالى- ؛ فهي أعظم أماكن العبادة وأطهرها، فيجب أن تكون معمورة بالإخلاص والخشوع والخضوع لله وحده.
تفسير سورة الذاريات الآية 56 تفسير السعدي - القران للجميع
المؤلف: عبد الله بن محمد الدويش المصدر: التحميل: مذكرة التوحيد مذكرة التوحيد: قال المؤلف - رحمه الله -: « فهذه كلمة مختصرة في جملة من مسائل التوحيد، كتبتها وفق المنهج المقرر على طلاب السنة الثالثة من كلية اللغة العربية، وأسأل الله أن ينفع بها، وتشتمل على مقدمة، ومسائل، وخاتمة ».
{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} من الخلق، بل انفرد بعلم الضمائر والأسرار والغيب.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة الجن - الآية 6
[١٢] وإذا أخبر رسوله بشيء ما من علم الغيب، واصطفاه بذلك، فإنّه يُسخّر له ملائكة تصرف عنه تأثير الشياطين فلا يؤثّر في نقله لهذا الغيب ولا بتبليغه له، فيؤدّي الرسل رسالاتهم بكلِّ صدق وأمانة. [١٢]
المراجع ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير ، صفحة 216-217. بتصرّف. ↑ سورة الجن، آية:1-9
^ أ ب محمد علي الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير ، صفحة 556-557. بتصرّف. ↑ وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط للزحيلي ، صفحة 2750-2752. بتصرّف. ↑ سورة الجن، آية:10-17
^ أ ب محمد محمود حجازي، التفسير الواضح ، صفحة 761. بتصرّف. ^ أ ب ت عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي ، صفحة 890. بتصرّف. ↑ سورة الجن، آية:18
↑ سورة الجن، آية:19-24
↑ عبد الرحمن السعدي، تفسير السعدي ، صفحة 891. بتصرّف. ↑ سورة الجن، آية:25-28
^ أ ب محمد سيد طنطاوي، التفسير الوسيط لطنطاوي ، صفحة 145-146. بتصرّف.
♦ واعلم أن الاستثناء الذي في قوله تعالى: ( إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) يسمى: (الاستثناء المنقطع)، لأنه غير مُستَثنى من الجملة التي قبله، فهو يأتي بمعنى: (لكن). ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ - بأن يُشرك بالله تعالى ويُكَذِّب رسوله ويُعرض عن دينه -: ﴿ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾ يعني فإنّ هذا الصِنف جزاؤه نار جهنم ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ ، ( فالمقصود بالمعصية هنا: الشرك والتكذيب، لأن الخلود في النار لا يكون إلا للمُشرِكين، كما دَلّ على ذلك الكثير من الآيات المُحكَمة - أي التي لا تحتمل أكثر من معنى - وكذلك الأحاديث الصحيحة، وإجماع سلف الأمّة)، وسوف يتضح من السياق الآتي أن المقصود هنا في هذه الآية: المُشرِكون وليس عُصاة الموَحِّدين. ♦ وسيَظل هؤلاء المُعانِدون على عنادهم ﴿ حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ ﴾ يعني حتى إذا رأوا ما يوعدون به من العذاب: ﴿ فَسَيَعْلَمُونَ ﴾ حينئذٍ ﴿ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا ﴾ يعني: مَن هو أضعف ناصرًا ومُعينًا وأقل جُندًا (فريق المُشرِكين أم فريق المؤمنين)؟ (وذلك حين لا يَنفعهم العِلم).