روى مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المُحَرَّم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل". قال الحافظ السيوطي: سُئلت لِمَ خصَّ المُحَرَّم بقولهم شهر الله دون سائر الشهور، مع أن فيها ما يساويه في الفضل أو يزيد عليه كرمضان، ووجدت ما يُجاب به، بأن هذا الاسم إسلامي دون سائر الشهور، فإن اسمها كلَّها على ما كانت عليه في الجاهلية، وكان اسم المُحَرَّم في الجاهلية صفر الأول، والذي بعده صفر الثاني، فلما جاء الإسلام سمَّاه الله المحرم، فأضيف إلى الله تعالى بهذا الاعتبار، وهذه فائدة لطيفة رأيتها في الجمهرة. انتهى. وبعد أن ذكر ابن علان شارح "الأذكار للنووي" ذلك عن السيوطي قال: ونقل ابن الجوزي أن الشهور كلَّها لها أسماء في الجاهلية غير هذه الأسماء الإسلامية، قال: فاسم المُحرم بائق، وصفر نفيل، وربيع الأول طليق، وربيع الآخر ناجز، وجمادى الأولى أسلح، وجمادى الآخر أفتح، ورجب أحلك، وشعبان كسع، ورمضان زاهر، وشوال بط، وذو القعدة حق، وذو الحجة نعيش. انتهى. جاء في خطط المقريزي "ج 2 ص 53" أن العرب كانت تُسمى الشهور بالأسماء الآتية عند ثمود وهي:
1 ـ موجب = المحرم 2 ـ موجر = صفر.
فضل الصوم في شهر الله المحرم
يهل علينا بعد أيام بإذن الله هلال المحرم، وأخبرنا النبي ﷺ أن أفضل الصيام بعد رمضان صيام المحرم، ومع هذا فقد ثبت أنه كان يكثر من الصيام في شعبان، فكيف يمكن الجمع بين الحديثين؟ وأيهما أفضل صوم شعبان، أم صوم شهر الله المحرم؟! عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم» رواه مسلم (1982). فعُلم من هذا الحديث أن أفضل الصيام بعد رمضان هو صيام شهر الله المحرم. ومع هذا فقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. صحيح البخاري (3/ 38). قال الإمام النووي رحمه في شرحه على صحيح مسلم: فإن قيل أن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم؟ فالجواب: لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة، قبل التمكن من صومه، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه، كسفر ومرض وغيرهما. لكن الحافظ ابن رجب يرى تفضيل صوم شعبان، وكونه بالنسبة لرمضان كالسنة الراتبة، وأما كون الصوم في المحرم أفضل، هو باعتبار التنفل المطلق، فلا يدخل فيه صوم شعبان.
صيام عاشوراء: فضله وأحكامه - طريق الإسلام
[5]
الصوم في الأشهر الحرم [ عدل]
الأشهر الحرم هي التي اختصها الله من بين أشهر السنة الهلالية بمكانتها...
وروى أبو داود أيضا: «عن عثمان يعني ابن حكيم قال سألت سعيد بن جبير عن صيام رجب فقال أخبرني ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم». [6] قال النووي: «الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور، ولم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب ولا نهي لعينه، ولكن أصل الصوم مندوب إليه». [7] وفي سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ندب إلى الصوم من الأشهر الحرم ورجب أحدها، قاله في عون المعبود. [7]
«عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس». [8]
ومنها صوم العشر من ذي الحجة وفي الحديث: «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
396 من: (باب بيان فضل صوم المحرم وشعبان والأشهر الحرم)
3 ـ مورد = ربيع الأول 4 ـ ملزم = ربيع الآخر. 5 ـ مصدر = جمادى الأولى 6 ـ هوبر = جمادى الآخرة. 7 ـ هوبل = رجب 8 ـ موها = شعبان. 9 ـ ديمن = رمضان 10 ـ دابر = شوال. 11 ـ حَيْقَل = ذو القعدة 12 ـ مسيل = ذو الحجة. ويقول المقريزي أيضًا: كانوا يسمونها بأسماء أخرى وهي: مؤتمر، ناجر، خوان، صوان، حنتم، زيا، الأصم، عادل، بايق، دعل، هواع، برك. وقال سموها بعد ذلك بالأسماء المعروفة الآن. هذا، وشهر الله المُحَرَّم فيه عاشوراء وهو يوم مبارك.
شرح حديث أفضل الصِّيام، بعد رمضان، شَهر الله المُحَّرم، وأفضل الصلاة، بعد الفَريضة، صلاة الليل
الفتوى رقم: ٨١٧
الصنـف: فتاوى الصيام - صوم التطوُّع
السـؤال:
هل يُشرَعُ صيامُ شهرِ مُحرَّمٍ كُلِّه؟
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فَقَبْلَ الجوابِ على سؤالكم فينبغي التنبيهُ على خطأ شائعٍ في إطلاق لفظ «محرم» مجرّدًا عن الألف واللاَّم؛ ذلك لأنّ الصواب إطلاقه معرَّفًا، بأن يقال: «المحرَّم»، لورود الأحاديث النبوية بها معرَّفة؛ ولأنَّ العرب لم تذكر هذا الشهر في مقالهم وأشعارهم إلاّ معرَّفًا بالألف واللام، دون بقية الشهور، فإطلاق تسميته إذًا سماعي وليس قياسًّيا. هذا، وشهر المحرّم محلُّ للصيام لذلك يستحبُّ الإكثار من الصيام فيه، لقوله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمِ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلاَةُُ اللَّيْلِ » ( ١).
وفي لفظ: ((لئن بقيتُ إلى قابلٍ، لأصومنَّ التاسع))؛ رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما. فلم يأتِ العام المقبل حتى تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العلامة صدِّيق حسن خان: "واستحب أكثرُهم أن يصوم التاسع والعاشر"؛ الروضة الندية. فهلُمَّ إخواني وأخواتي، لاستغلال هذا الشهر المفضال، وصوم ما تيسَّر منه؛ إرضاء للكبير المتعال، وطمعًا في حسنات كالجبال، وجنةٍ هي واللهِ نِعم المقام والمآل، لمن صبر على طاعة ربه بالأيام والليال، وجاهَد نفسَه للتقرب إلى الله بصالح الأفعال؛ فإنه سبحانه جَوَادٌ عظيم الإكرام والإفضال. ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].