يا الله هل يستطيع الفكر البشري أن يتصورها على الحقيقة؟.. لا أظن ذلك فالتصور غالباً ينتج من مخزون المشاهدات. ثم كيف نتخيلها ورَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "قًالَ اللَّهُ: « أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة: 17]" (رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-). انا زعيم بيت في ربض الجنة. ومع هذا المقام الرفيع والتخيل المستحيل يسر الله تعالى سُبلَ تحصيل بيوتها فلا قرض ولا دين ولا همّ ولا غمّ.. فقد أتاحها الله لجميعِ عبادِه امتلاكَها، وأبان لهم طُرُقَ الحصولِ عليها، وسهّلها حتى جعل الوصول إليها أحياناً بعمل يسيرٍ في جهدِه ووقتِه.. ولذلك المؤمن تسمو نفسه وتشتاق روحه ليبني له بيتاً وقصراً في الجنة. أيها الإخوة: هذه بعض الأعمال الصالحة الميسورة وُعِدَ عاملها ببيت في الجنة، حري بنا عملها، وهي يسرة على مَن وفَّقه الله تعالى. من ذلك بناء المساجد، أو المساهمة في بنائها، فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَرَادَ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ [أي: المسجد النبوي]، فَكَرِهَ النَّاسُ ذَلِكَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَدَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ " (رواه مسلم).
ابن لك بيت في الجنة
كل هذا العناء في تحصيل هذه البيوت وهي معرضة للبِلى والزوال، والحرق والهدم، والتشقق والتصدع، وإن سلمت هذه البيوت من ذلك كله فلن يسلم أصاحبها من الموت والبلى، قال الله تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران:185]. كم حملت هذه البيوتُ وعمارتُها أصحابَها من الهمومِ والغمومِ والأرقِ والقلقِ!! وكم سكبَ بعضُهم ماءَ وجهِه طالباً لقرضٍ!! بيت الحمد في الجنه. أو حَمَّلَ نفسَه حمالَة الدينِ وهمه وذلة!! ومع ذلك كله مِن الناس مَن يولد ويموت ولم يملك بيتاً مع أنه عاش في هذه الدنيا عشراتِ السنين..
أيها الإخوة: لنقف هنا.. وننظر هناك.. لكم أن تقولوا أين. ؟ أقول هناك في دارٍ غير دار الدنيا هناك في الآخرة.. هناك بيوتٌ أحسن اللهُ وصفَها وأثنى على مواد تشييدها تخيلوا بيتاً بُني ب" لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ -أي: طينها الذي يكون بين اللبنتين، أو ترابها الذي يخالطه الماء-، وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، وَيَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ " (رواه الترمذي وأحمد والطبراني في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني: صحيح بشواهده).
أعمال ثوابها بناء بيت في الجنة - عالم حواء
مــقــالـه للشيــخ
عيسى بن حسن الذياب
ومن الأسباب كذلك دعاء السوق: قَالَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ قَالَ حِينَ يَدْخُلُ السُّوقَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " (رواه الترمذي وحسنه الألباني). أعمال ثوابها بناء بيت في الجنة - عالم حواء. اللهم وفقنا للحسنات، وجنبنا السيئات، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المؤيد ببرهانه؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة: يقول الله تعالى: ( وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]. ومن أسباب بناء البيوت في الجنة: الصبر على موت الولد، فعَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلَانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ؟ قُلْتُ: بَلَى.