تعددت الروايات عن أيات سورة الكهف التي خصها النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر لمواجهة فتنة الدجال وسحره، قال صلى الله عليه وسلم: ( مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ)[1] وفي حديث آخر: ( مَنْ قَرَأَ عشْرَ آياتٍ مِنْ آ خِرِ سورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ فتنَةِ الدجالِ) وفي روايَةٍ ( العشرُ الأواخِرُ) [2]
وفي هذا الحديث حدد العدد فقط ( مَن قرَأ عَشْرَ آياتٍ مِن سورةِ الكهفِ عُصِم مِن فتنةِ الدَّجَّالِ) [3]. وعند أبو داود ( من حفظ من خواتيم سورة الكهف.. قال تعالى (فلعلك باخع نفسك) لمن الخطاب موجه - حل حصري. ) وقال شعبة من ( آخر الكهف)[4]
وفي حديث آخر تفرد به الترميذي حدد العدد في ثلاث ( مَن قرأَ ثلاثَ آياتٍ من أوَّلِ الكَهْفِ عُصِمَ من فتنةِ الدَّجَّالِ)[5]
من الملاحظ أن الأحاديث تأتي بحفظ الأيات ومرة أخرى بالقراءة، وهو ما يفيد القراءة عن حفظ، وباقي الإختلاف لا يصل لحد التعارض الذي نجده في بعض أحاديث أحداث آخر الزمان وخصوصا ما تعلق منه بالدجال..
بعض الأحاديث التي جاءت بذكر الخواتيم و أواخر سورة الكهف حكم عليها المحدثون بالشذوذ وضعفوها، مما يرجح أن المقصود العشر الأوائل من أيات سورة الكهف. والله أعلم. ____________ [1] الراوي: أبو الدرداء | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 809 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[2] الراوي: أبو الدرداء | المحدث: الهيثمي | المصدر: مجمع الزوائد
الصفحة أو الرقم: 7/56 | خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح |
التخريج: أخرجه مسلم (809)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10786)، وأحمد (27516).
فلعلك باخع نفسك على آثارهم
والسبب في نزول هذه الآية أنّ وفد نجران الذين نزل فيهم صدر سورة آل عمران فهموا دعوة النبي لهم بالدخول في الإسلام على طريقتهم المعتلة، فقالوا: يا محمد أتريدنا أن نعبدك؟ ففهم النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ القوم متأثرون بمنهجهم السقيم، فقد عبدوا المسيح عليه السلام من قبل، وهو منهج مناف لمنهج التوحيد الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، والذي جاء به جميع الأنبياء بما فيهم المسيح عليه السلام، فقال: معاذ الله أن أدعوكم إلى عبادة غير الله تعالى، أو كما قال؛ فنزلت الآيتان. وقد وردت عن العلماء من لدن الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا عبارات متباينة في تفسير كلمة "ربانيين" فاتجه بعضهم إلى تحرير الجذر اللغويّ؛ فقرروا أنّ الربانية جذرها كلمة "ربّ"، فهي نسبة إلى "ربّ" مع زيادة الألف والنون، وزيادة الألف والنون هنا لها دور بلاغي لعله إكساب اللفظ فخامة، فبدلا من أن نقول ربيّ نقول رباني، وبدلا من أن نقول ربيون نقول ربانيون، فعلى هذا يكون الربانيون هم المنسوبون إلى الربّ تبارك وتعالى، وتكون الربانية هي الانتساب إلى الربّ. لكن بأي سبب ينتسب الربانيون إلى الربّ تبارك وتعالى؟ هنا يأتي دور التفاسير التي لم تركز على الجذر اللغويّ لافتراضها استقراره من حيث الأصل، وذهبت وراء الوصف الذي يميز الربانيين، فقال بعضهم: كونوا ربانيين أي: كونوا علماء حكماء، وقال آخرون: علماء أتقياء، وقال آخرون وآخرون كلاما قريبا من هذا وذاك، لكنّ الذي نستفيده من جملة ما قالوه أنّه بغير العلم لا تتحقق هذه النسبة، وبالعلم وحده لا تتحقق، إنّما لابد من اجتماع العلم والعمل، العلم والتقوى، العلم والحكمة.
تفسير الكهف بطريقة جديدة ومميزة / "فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ " - YouTube