تاريخ النشر: ١٤ / ذو القعدة / ١٤٣١
مرات
الإستماع: 1157
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
ثم قال المصنف:
"باب: استحباب تعجيل المسافر في الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته. عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه، وشرابه ونومه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره، فليعجل إلى أهله [1] ، متفق عليه. يقول: السفر قطعة من العذاب ثم بيّن وجه ذلك، فقال: يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه يعني: المعهود المعتاد الإنسان ينام في السفر، ويأكل ويشرب، لكن السفر يمنعه طعامه، يعني: ما اعتاده وألفه من الطعام، فإن السفر يحصل به من الأمور العارضة والمشقات ما ينتفي معه معهود الإنسان وعادته. قال: فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره يعني: قضى حاجته فليعجل إلى أهله متفق عليه، يعجل الرجوع، فلا يمكث. وقوله: فليعجل إلى أهله إذا كان الإنسان ليس له أهل في بلده مثلاً، هو كذلك يعجل؛ لأن العلة متحققة، وهي أن السفر قطعة من العذاب، يمنع الإنسان ما عهده واعتاده من نوم وطعام وشراب، إلى غير ذلك. فهذا حاصل لمن له أهل، ولمن ليس له أهل في البلد، فليعجل الرجوع، يعني إلى مقره، ومحل إقامته، ولو لم يكن له أهل فيها، ولو كان أهله معه في السفر؛ لأنهم يلقون من المشقات ما يلقاه المسافر، فذلك يصدق عليهم جميعًا.
السفر قطعة من العذاب
فعلى من يترك أسرته بلا عائل يرعاها ويهاجر من أجل جمع المال – وهو ظل زائل وعارية مستردة – أن يسأل نفسه هل ما يجمعه لأسرته يساوي ما يلقاه هو في الغربة وتلقاه أسرته من الفراغ الديني والعقد النفسية والمتاعب الجسدية والروحية، والتي غالباً ما تؤدي إلى الفشل في كل شيء حتى في المال الذي يجمعه فإنه لا يكون قادراً على تنميته في غربته ولا في بلده. ولو استطاع أن ينميه ويزيد فيه ما شاء الله أن يزيد فإنه غالباً لا ينفعه ولا يجد متعة في استغلاله ولا في ادخاره، وربما يكون هذا المال وبالاً عليه وعلى أسرته، وسبباً في فشل أولاده في الدراسة وفي سائر نواحي الحياة. والعاقل من يزن الأمور بميزان صحيح ويستشير أهل الرأي والمشورة في أمر هجرته وتغربه عن بلده. هل هو ضرورة ملحة أم هو مجرد رغبة. وإذا كانت ضرورة لابد منها فلينظر إلى ما يجده هو في الغربة وما تجده أسرته في غيبته من المآسي والمحن، التي قد لا يراها ظاهرة على الساحة إلا بعد حين، لا يتمكن بعده من مراجعة نفسه ولا من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، فيسلم بالأمر الواقع أو يندم فلا ينفعه الندم. وليعلم كل من تحدثه نفسه بالهجرة أن الحياة ليست بالمال وحده بل هي كم هائل من الضروريات والحاجيات المادية والمعنوية.
وأغزر الناس عقلاً من إذا نظرت
عيناه أمراً غدا بالغير معتبراً
وأجزم الناس من لو مات من ظمأ
لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا
من دبر العيش بالآراء دام به
صفواً وجاء إليه الخطب معتذرا
يهون بالرأس ما يجري القضاء به
ومن أخطأ الرأي لا يستذنب القدرا
وأن لا أثبط من عزمك على الهجرة إن كان فيها خير لك، بل أرغبك فيها. وقد ذكرت في الحديث السابق حكم الهجرة فراجعه إن شئت، وبالله توفيقك والسلام.