وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ). والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قراءة الأمصار, متقاربات المعاني, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء, يعني بقوله: ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ): وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا, فنأخذه منهم, فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم, ولكنا وفَّيناهم أجور أعمالهم, وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم, تفضلا منا عليهم. ألحقنا بهم ذريتهم - عالم حواء. والألت في كلام العرب: النقص والبخس, وفيه لغة أخرى, ولم يقرأ بها أحد نعلمه, ومن الألت قول الشاعر: أبْلــغْ بنــي ثُعَـل عَنَّـي مُغلغَلَـةً جَــهْدَ الرّســالة لا ألْتـا ولا كَذبـا (2) يعني: لا نُقصان ولا زيادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ما نقصناهم. حدثني علي قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن ابن عباس قوله: ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول: ما نقصناهم.
تفسير وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ - إسلام ويب - مركز الفتوى
و { من عملهم} متعلق ب { ما ألتناهم} و ( من ( للتبعيض ، و ( من ( التي في قوله: { من شيء} لتوكيد النفي وإفادة الإِحاطة والشمول للنكرة. { كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}. جملة معترضة بين جملة { وما ألتناهم من عملهم} وبين جملة { وأمددناهم بفاكهة} [ الطور: 22] ، قصد منها تعليل الجملة التي قبلها وهي بما فيها من العموم صالحة للتذييل مع التعليل ، و { كل امرىء} يعمّ أهل الآخرة كلهم. والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ۚ كل امرئ بما كسب رهين. وليس المراد كل امرىء من المتقين خاصة. والمعنى: انتفى إنقاصُنا إياهم شيئاً من عملهم لأن كل أحد مقرون بما كسب ومرتهَن عنده والمتقون لمّا كَسَبوا العمل الصالح كان لازماً لهم مقترناً بهم لا يُسلبون منه شيئاً ، والمراد بما كسبوا: جزاء ما كسبوا لأنه الذي يقترن بصاحب العمل وأما نفس العمل نفسه فقد انقضى في إبانه. وفي هذا التعليل كنايتان: إحداهما: أن أهل الكفر مقرونون بجزاء أعمالهم ، وثانيتهما: أن ذريات المؤمنين الذين ألحقوا بآبائهم في النعيم ألحقوا بالجنة كرامة لآبائهم ولولا تلك الكرامة لكانت معاملتهم على حسب أعمالهم. وبهذا كان لهذه الجملة هنا وقع أشد حسناً مما سواه مع أنها صارت من حسن التتميم. والكسب: يطلق على ما يحصله المرء بعمله لإِرادة نفع نفسه.
ألحقنا بهم ذريتهم - عالم حواء
مدة قراءة الإجابة:
4 دقائق
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد اختلف المفسرون في المراد بالذرية، في قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور:21}. هل هم الصغار، أو الكبار والصغار. قال البغوي في تفسيره: وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهَا: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ، يَعْنِي: أَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، فَالْكِبَارُ بِإِيمَانِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالصِّغَارُ بِإِيمَانِ آبَائِهِمْ، فَإِنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ. {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ بِدَرَجَاتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا بِأَعْمَالِهِمْ دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ؛ تَكْرِمَةً لِآبَائِهِمْ؛ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ. تفسير وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ - إسلام ويب - مركز الفتوى. وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمُ.
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ۚ كل امرئ بما كسب رهين
حدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) يقول: من أدرك ذريته الإيمان, فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة, وأولادهم الصغار أيضا على ذلك. وقال آخرون نحو هذا القول, غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: ( أَلْحَقْنَا بِهِمْ) من ذكر الذرّية, والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار, وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء. * ذكر من قال ذلك: حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: (والَّذين آمَنُوا وأتْبَعْناهُم ذُرّيَّاتِهِمْ بإيمانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذرّيَّاتِهِمْ) قال: أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا, فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال, فقال الله جلّ ثناؤه ( وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم, فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم, الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال. وقال آخرون: بل معنى ذلك ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم, وما ألتنا الآباء من عملهم من شيء.
وقرأه ابن عامر ويعقوب بصيغة الجمع أيضاً لكن مرفوعاً على أنه فاعل { أتبعتهم} ، فيكون الإِنعام على آبائهم بإلحاق ذرياتهم بهم وإن لم يعملوا مثل عملهم. وقد روى جماعة منهم الطبري والبزار وابن عديّ وأبو نعيم وابن مردويه حديثاً مسنداً إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه ( أي في العمل كما صرح به في رواية القرطبي ( لتقرّ بهم عينُه ثم قرأ: { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان} إلى قوله: { من شيء} ". وعلى الاحتمالين هو نعمة جمع الله بها للمؤمنين أنواع المسرّة بسعادتهم بمزاوجة الحور وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم ، وذلك أن في طبع الإنسان التأنس بأولاده وحبه اتصالهم به.
طالما توهّم بعض الناس عند مطالعتِه للأضواء الساطعة التي تسلّط من قِبَل الفضائيات على السحر والسحرة أنهم قد بلغوا الغاية من النجاح، وأنهم قد تمكّنوا من تحقيق مجدهم الشخصي ووصلوا إلى شاطيء الراحة وجزيرة السعادة، وقد بلغ هذا التفكير ذروتَه في السنوات الأخيرة حيث حيث كثرت أيقونات السحر التي تلمّعها وتحرص على إبرازها آلة الإعلام الضخمة بمختلف مكوّناتها وأدواتها. ولا شك أن مثل هذا التصوّر المغلوط والنظرة القاصرة لها حضورٌ عند فئامٍ من المسلمين، وهو ما يستدعي من المختصّين تصحيح مسار القضية وإعادة الأمور إلى نصابها، لعلاج هذا التهويل والافتتان الحاصل بالسحر والسحرة، وذلك من خلال الحديث عن القاعدة العقديّة التي لا يتطرّقها شك، أو يختلجها ريْب، نستقيها من كتابٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفِه: {و لا يفلح الساحر حيث أتى} (طه: 69). فوائد من قوله تعالى {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}. لا يفلح الساحر إشارةٌ عظيمةٌ، ولفتةٌ كريمة تؤكّد الخُسران المطلق للساحر، جاءت في ثنايا قصّة موسى عليه السلام في لحظة المواجهة الفاصلة بينَه وبين سحرة فرعون، على مرأى من الناس ومسمعٍ منهم. كان ذلك في يوم الزينة ووقت الضّحى، حيث اجتمع سحرة فرعون وتقاطروا من أطراف البلاد يبغون الظفر على نبي الله، صارخين بمليء حناجرهم: {بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} (الشعراء:44)، ثم ألقوا حبالهم وعصيهم، وقرؤوا ترانيمهم وتعاويذهم، لتنقلب العصيّ إلى أفاعٍ مخيفة؛ وثعابين مزعجة، واسترهبوا الناس وجاءوا بسحر عظيم، عند ذلك جاءت الطمأنة الإلهيّة أن كيدهم في ضلال، وأمرهم إلى زوال، فلا الفلاح حليفهم، ولا النجاح يصحبهم: {وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى} (طه:69)، فوقع الحق وانتصر، وانهزم الباطل واندحر.
فوائد من قوله تعالى {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) ﴾
يعني تعالى ذكره بقوله: فأوجس في نفسه خوفا موسى فوجده. تفسير قوله تعالى وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى - إسلام ويب - مركز الفتوى. * * *
وقوله ﴿قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾
يقول تعالى ذكره: قلنا لموسى إذ أوجس في نفسه خيفة ﴿لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى﴾ على هؤلاء السحرة، وعلى فرعون وجنده، والقاهر لهم ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾ يقول: وألق عصاك تبتلع حبالهم وعصيهم التي سحروها حتى خيل إليك أنها تسعى. وقوله ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾
اختلفت القرّاء في قراءة قوله، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ برفع كيد وبالألف في ساحر بمعنى: إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ برفع الكيد وبغير الألف في السحر بمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، وذلك أن الكيد هو المكر والخدعة، فالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر، ومكر السحر وخدعته: تخيله إلى المسحور، على خلاف ما هو به في حقيقته، فالساحر كائد بالسحر، والسحر كائد بالتخييل، فإلى أيهما أضفت الكيد فهو صواب، وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ ﴿كَيْدَ سِحْرٍ﴾ بنصب كيد، ومن قرأ ذلك كذلك، جعل إنما حرفا واحدا وأعمل صنعوا في كيد.
تفسير قوله تعالى وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى - إسلام ويب - مركز الفتوى
يقول أحد العراقيين: "هناك استعداد شعبي للتعاون مع الشيطان لمواجهة حكومة المالكي؛ فأبناء المناطق ذات الغالبية السنية، ليس لديهم أي دافع لقتال تنظيم داعش في سبيل حكومة المالكي، أو تعزيز نفوذ إيران، أو خدمة لمصالح أمريكا، كيف تستطيع جماعة أو ميليشيا أن تهزم جيوشا وتحرر مدنا؟
من قام بذلك هم أهل السنة، بعد أن طفح بهم الكيل من الظلم والقتل والتشريد، فثاروا ضد حكم الفرس وأذناب الملالي". ولهذا فقد استنكرت مصادر سياسية عراقية سنية نسبة - بعض وسائل الإعلام العربية والدولية - الثورة السنية على نظام المالكي، إلى داعش، وأوضحت أن أربعة فصائل مسلحة غالبيتها من السنة توحدت جهودها في العمليات الأخيرة، وشاركت في تحرير المدن العراقية، وإطلاق سراح قرابة ثلاثة آلاف معتقل في سجون "المالكي". وتضيف المصادر أن العملية أطلق عليها من قبل "المجلس العسكري لعشائر الموصل" اسم "انتفاضة العزة والكرامة" ويشير أحد المحللين إلى أن "التمدد الداعشي، إعلان صارخ على أن العراق دولة فاشلة، فلم ينجح حزب الدعوة العراقي في بلورة وطنية عراقية قادرة على جعل الجنود العراقيين يقاتلون باستبسال في مواجهة تنظيم داعش في الأيام القليلة الماضية.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فمهوى أبصارنا ميعاد يتنور مع هتيك المرسوم الموسوم بـ: (قواعد قرآنية) ، نمضي فيه الساعة بزورق قاعدة من القواعد القرآنية المحكمة، التي يحتاجها الناس، كل الناس، وخصوصاً في هذا الزمن الذي روجت فيه سوق السحرة والمشعوذين، إنها القاعدة التي بثها المولى في قوله تعالى: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] (1)، وفي معنى هذه القاعدة قوله تعالى ـ على لسان موسى ـ: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس: 77].