وتلك سبيل الأنبياء والمرسلين؛ ومن اقتدى بهداهم، ولا يكون النصح ناجعاً مثمراً إلا إذا كان الناصح يفعل ما يقول، فيعلّم بفعله أكثر مما يُعَلم بقوله. فأما إن كان يخالف إلى ما نهى عنه، ولا يأتي ما يأمر به، فإن قوله يكون عقيماً لا ثمرة له. وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. لست أنكر أن ضعف الإنسان قد يسوقه في بعض الأحيان إلى الخطيئة ويورطه في الإثم. ولكن ذلك لا ينبغي أن يحول دون الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه، وغسل الحوبة بالتوبة، والابتهال إلى الله وسؤاله العون والتوفيق لما يحب ويرضى. والتوبة النصوح تجبّ ما قبلها، والله سبحانه يقول ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ﴾ [الزمر: 53-55]. فإذا دأبت على محاسبة نفسك؛ والإنابة إلى ربك، فإنك تسير قُدُماً في طريق الكمال، وترقى صُعداً في معارج التقوى، وتعلوا كل يوم درجة في سلم الخير، حتى تصير مع المصطفين الأخيار، والصالحين الأبرار.
- وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحج - الآية 77
وافعلوا الخير لعلكم تفلحون
وكان يسجدُ على جبهته وأنفه ويديه وركبتيه وأطراف قدَميه، ويستقبلُ بأصابع يديه ورجليه القبلةَ، ويرفعُ مرفقيه، ويُجافي عضُدَيه عن جنبيه صلى الله عليه وسلم حتى يبدوَ بياضُ إِبْطيه، ويرفع بطنَه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويعتدل في سجوده، ويمكِّن وجهَه من الأرض، غيرَ ساجد على كور العمامة، وكان يقول في سجوده: ((سبحان ربي الأعلى))، ويكثر الدعاءَ فيه، وكان يجعل سجودَه مناسبًا لقيامه [7]. قال الشيخ أبو بكر الجزائري في تفسير الآية:
أمرهم اللهُ بإقامة الصلاة: ﴿ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ﴾؛ أي: أطيعوه فيما أمرَكم به، وفيما نهاكم عنه، معظِّمين له غايةَ التعظيم، خاشعين له غاية الخشوع، ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ مِن كلِّ ما انتدبكم اللهُ إليه ورغَّبكم فيه من أنواع البرِّ وضروبِ العبادات، ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾؛ أي: لتتأهَّلوا بذلك للفلاح؛ الذي هو الفوز بالجنة بعد النجاة من النار، وخصَّ الركوعَ والسجود من بين أركان الصلاة؛ لأنهما أشرفُ أجزائها، وأدلُّ على خضوع العبد لربِّه وذلته له. وأمرهم أيضًا بأمرٍ مهمٍّ؛ وهو جهاد الكفار ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39].
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الحج - الآية 77
ومن الخير أن تحرص على أن تنفع من حولك ما استطعت، فخير الناس أنفعهم لهم، أفض عليهم من برك وخيرك، وأدخل السرور على قلوبهم، والغبطة على نفوسهم كن براً بوالديك، وأسعدهما بطاعتك واستقامتك. ارحم إخوتك وأخواتك وتعدهم بعطفك ولطفك، ورعايتك وحنانك. غيّض من عبرات الأرامل والأيامى، وكفكف دموع اليتامى، وخفض من زفرات المنكوبين والمحزونين، وعزّ الثكالى والمفجوعين بحسن مواساتك، وعذب كلماتك، كن في حاجة إخوانك وأصدقائك يكن الله في حاجتك. وأصلح ذات البين. ولا تسمح للشر أن يسعى إلى القلوب ما وجدت إلى ذلك سبيلا، واحرص على أن تنتزع الضغائن، وتستل السخائم، وتحل الصفاء محل الجفاء، والمودة مكان البغضاء. أفش السلام، وعُد المرضى وشيع الموتى. تلك بعض وجوه الخير، فافعلها تكن من الفائزين. والله لا يضيع أجر العاملين. مجلة الهدي النبوي - المجلد السادس - العدد (7-8) - ربيع الثاني سنة 1361هـ
وقوله: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]؛ ينطوي على النوعين من السجود والتسخير والاختيار، وقوله: ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن: 6]؛ فذلك على سبيل التسخير، وقوله: ﴿ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ [البقرة: 34]، قيل: أُمروا بأن يتخذوه قِبلة، وقيل: أُمروا بالتذلل له والقيام بمصالحه ومصالح أولادِه، فائتمَروا إلا إبليس، وقوله: ﴿ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا ﴾ [البقرة: 58]؛ أي: متذلِّلين مُنقادين. وخصَّ السجود في الشريعة بالركن المعروف من الصلاة وما يَجري مَجري ذلك من سُجود القرآن وسجود الشكر، وقد يعبَّر به عن الصلاة بقوله تعالى: ﴿ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ [ق: 40]؛ أي: أدبار الصلاة، (والمسجد): مَوضع الصلاة اعتبارًا بالسجود، وقيل المساجد: مواضِع السجود؛ الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، والرِّجلان [2]. وفي الصحيحين عن أبي ذرٍّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتدري أين تذهب هذه الشمس؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن، فيوشك أن يُقال لها: ارجعي من حيث جئت)).