قد يقول بعضهم: هذه قضية في القلب، وأنا لا أملك ذلك، والله يقول: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، نقول لهم: هنا يتوجه الخطاب إلى الأسباب التي توجِد مثل هذا، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فلا يكون الإنسان أنانياً، همه مصلحته، وأن يعيش برغد، ولا يهتم بإخوانه ولا يريد لهم الخير. وجاء في بعض الروايات ما يقيده ويوضحه، قال ﷺ: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير [3] ، والخير يشمل المال، لأن الله قال: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، يعني: المال، ولهذا قال تعالى: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر:20]. ويدخل في الخير العمل الصالح والاستقامة والتوبة، وستر الحال، وتحصيل أنواع الكمالات. وهذه القضية معدومة اليوم بين المسلمين، فنشاهد أحداثاً مؤلمة يندى لها الجبين تقع لهم، بل نراهم صاروا محل تجارب لجميع أنواع الأسلحة الفتاكة، ويتعرضون لأنواع القهر والظلم والاضطهاد، أطفالهم تحت أنقاض البيوت المهدمة، وأشلاؤهم ودماؤهم لا تراها حتى في المسالخ التي تذبح فيها الحيوانات، ومع هذا لا تجد من يحرك ساكناً. بعض الناس يتساءل ويقول: ما هو واجبنا في مثل هذه الأحداث؟
نقول لهم:
أولاً: ينبغي أن نتذكر أن هذا ما وقع للأمة إلا بسبب ضعفها وعجزها، وهذا الضعف إنما هو نتيجة تخليها عن دينها، فالأمة إذا تخلت عن دينها وأعرضت عن ربها -تبارك وتعالى- فإن الله يخذلها، لأن الله يقول: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، فالأمة ما نصرت ربها -تبارك وتعالى، فأدى ذلك إلى هذا الذل والهوان، والله يريهم آياته ويبتليهم لعلهم يرجعون.
لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
اقرأ أيضاً أنواع الأموال الربوية أنواع الربا
شرح حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه)
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه). [١]
وفيما يأتي شرح مفردات الحديث: [٢]
لا يؤمن أي لا يحقّق كمال الإيمان وتمامه ولا يبلغ حقيقته، وليس المقصود نفي أصل الإيمان عنه. لأخيه المقصود أخوة الإيمان، كما في قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، [٣] وليس المقصود أخوة النسب. ويخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يتحقق كمال الإيمان وتمامه للمسلم حتى يحب لغيره من المسلمين من الخير ما يحب لنفسه، وهذا يتضمن أن يكره لغيره من المسلمين ما يكره حصوله له، فإن محبَّ الخير لغيره يحب ألا يصيبه ما يكرهه أيضاً، وهذا ظاهر وإن لم يذكر في الحديث صراحة، وفي ذلك صفاء النفس من الحسد والأنانية، وتأكيد على الترابط الوثيق بين أفراد الأمة المسلمة. [٤]
محبة دخول المؤمنين الجنة من تمام الإيمان
أعظم الخير الذي يحب المؤمن نواله هو الفوز بنعيم الآخرة، وإذا بلغ حقيقة الإيمان فإنه سيحب ذلك لنفسه ولإخوانه المؤمنين معه، ومن كان كذلك فإنه كلما عمل من الصالحات ما يوصله إلى الجنة فإنه سيدل أخاه عليه وسيدعوه إلى فعله والحرص عليه.
لا يؤمن احدكم حتي اكون احب اليه من نفسه
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه». [ صحيح. ] - [متفق عليه. ] الشرح
على المؤمن كامل الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، ومعنى هذه المحبة هي مواساته أخاه بنفسه في جميع الأمور التي فيها نفع، سواء دينية أو دنيوية، من نصح وإرشاد إلى خير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وغير ذلك مما يوده لنفسه، فإنه يرشد أخاه إليه، وما كان من شيء يكرهه وفيه نقص أو ضرر فإنه يبعده عنه. الترجمة:
الإنجليزية
الفرنسية
الإسبانية
التركية
الأوردية
الإندونيسية
البوسنية
الروسية
البنغالية
الصينية
تجالوج
الهندية
السنهالية
الأيغورية
الكردية
الهوسا
البرتغالية
عرض الترجمات
لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
[٢] وكلما لاح له شر وظهر له باطل اجتنبه وحذّر أخاه منه، وهذه هي المحبة الحقيقية التي بها يمتلئ المجتمع بالفضائل والتواد والتراحم حتى يصبح كالجسد الواحد، ويسلم من أضداد ذلك من الحقد والحسد والتباغض والغش وترك النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [٢]
من تمام الإيمان التفكير الأممي
لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحث المؤمنين على أن يذهب كل امرئ منهم في البحث عن سلامته دون سواه، فلا يفكر في غير نجاته هو فقط، بل إنما كانت دعوته دعوة أممية مليئة بالرحمة بالناس، ومليئة بالعمل لتحقيق سلامة الخلق كلهم من فتن الدنيا والآخرة. وهذا الحديث من جملة أدلة كثيرة جداً في القرآن والسنة التي تدعو المسلمين إلى الحرص على أن يكونوا أمة قوية متماسكة ثابتة على دينها بكل مقاصده العظيمة، وتلك المقاصد التي تأمرهم أن يقيموا دنياهم على التراحم والتكامل والترفّع عن الأنانية وما فيها من إضعاف للمجتمع. وتدعوهم إلى العمل على نشر الفضائل وتحقيق المصالح العامة والخاصة، ودفع المفاسد والأضرار والأسباب التي تؤدي إليها، إذ ليست المحبة مجرد شعور يعيشه المسلم في أحاسيسه كالخيال العابر بل هي محرِّكٌ ودافع للعمل والسعي وبذل الوسع في تحقيق المصالح وإيجادها واقعاً يعيشه المسلم مع إخوانه في أمة ثابتة قائمة على أرقى القيم وأحسن الأخلاق.
[٤]
تقديم محبة الرسول الأمين على جميع الخلق وتقتضي متابعته موافقته في جميع الأحوال وفي جميع الأقوال، وتقديم محبته -صلى الله عليه وسلم- على الولد والأهل والأقارب، وهذا الحديث من جوامع الكلم؛ لأن المحبة ثلاثة أقسام: محبة إجلال وعظمة مثل محبة الوالد، ومحبة شقفة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة إحسان ومماثلة كمحبة سائر الناس. دلائل محبة الرسول الأمين
تظهر آثار ودلائل محبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سلوك الإنسان وأفعاله ومنها ما يأتي: [٥]
تعزير النبي -صلى الله عليه وسلم- وتوقيره والتعزير؛ اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه كلٌ بحسب قدرته واستطاعته ولو كان ذلك بالقلب أو اللسان أو مقاطعة من يؤذيه، أما التوقير فمنه: عدم رفع الصوت في مسجده -صلى الله عليه وسلم-، والصلاة عليه كلما ذُكر. الدفاع عنه وعن سنته -صلى الله عليه وسلم- والدفاع عنه كما فعل الصحابة في غزوة أحد وفي غيرها، أما الدفاع عن سنته وذلك من خلال حفظها وتنقيحها، وحمايتها من التحريف أو التفسير الخاطئ، ورد شبهات الطاعنين فيها، وبيان أكاذيبهم ودسائسهم. تصديقه فيما أخبر وهذا من أصول الإيمان وركائزه الرئيسة، ومنه الإيمان بعصمة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلامته من الـكـذب أو البهتان، وتصديقه في كل ما أخبر من أمر الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وعلى رأس المصدقين سيدنا أبو بكر الصديق وعمر والكثير من الصحابة الذين يؤمنون بكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل خبر بيقين وإيمان تام.
وفاة الشيخ ابن باز مرض الشيخ ابن باز رحمه الله، وتراجعت حالته الصحية، وتوفي قبيل فجر يوم الخميس الموافق 27 من شهر محرم 1420 هجرياً الذي يصادف عام 1999 ميلادياً، وتمّ نقل جثمانه إلى منزله في مكة المكرمة لغسله وتكفينه، وعند غسله ذكر بأنّ وجهه كان شديد البياض، وبعد وفاته بوقتٍ قصير انتشر خبره في جميع الدول، وأصيب المسلمون بحالة من الحزن الشديد، وأصدر الديوان الملكي خبر وفاته، وحدد موعد الصلاة عليه، فكانت بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام، وتمّت إقامة صلاة الغائب عليه في المسجد النبوي وباقي مساجد المملكة السعودية، ثمّ دفن رحمه الله في مقبرة العدل بمكة.
وفاه الشيخ ابن باز الرسمي
قصة وفاة الشيخ بن باز - YouTube
وفاة الشيخ ابن بازگشت
إنَّ محبة العلماء عبادةٌ؛ لما يحملونه من كلام الله تعالى وكلام نبيه ﷺ وقد قال النبي ﷺ: إنَّ من إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم، وحامل القُرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ؛ حديث حسن، رواه أبو داود. وللعلماء في الدِّين منزلة لا تخفى؛ فهم الذين رفعهم الله فقال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]. يقول الإمام ابن القيِّم - رحمه الله - عن العلماء:
"هم في الأرض بمنزلة النُّجوم في السماء، بهم يهتَدِي الحيران في الظَّلماء، وحاجةُ الناس إليهم أعظمُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وطاعتهم أفرض من طاعة الآباء والأمَّهات بنصِّ الكتاب؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء: 59]". وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله:
"الناس أحوجُ إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الطعام والشراب يحتاجُ إليه في اليوم مرَّتين أو ثلاثًا، والعلم يحتاج إليه في كلِّ وقت". وأثَرُ العلماء لا يخفى في البلد والمجتمع؛ قال ميمون بن مهران: "إنَّ مَثَلَ العالم في البلد كمَثَلِ عينٍ عذبة في البلد".
وفاة الشيخ ابن با ما
والحمدُ لله ربِّ العالمين. [1]
رابط الموضوع:
العالم المتبحر إذا سُئل عما لا يعلم قال: لا أعلم. ولا يضره ذلك شيئًا، ولكن الجاهل المتعالم يحشر نفسه في كلِّ شيء، ويفتي فيما يعلم وما لا يعلم، وهذه هي البلوى. الحقيقة أن الأمة الإسلامية فقدت أحد الرموز، وأحد الرجالات الذين نذروا حياتهم لله وللإسلام، وللعلم وللدعوة إلى الله، سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس إدارات البحوث والإفتاء، ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، وغيرها من المناصب العلمية والمسؤوليات. وهذا المناصب على كثرتها وأهميتها، لم تعزل الشيخ الجليل عن الناس، لم تجعله يعيش في صومعة منعزلة، أو في برج عاجي، بل خالط الناس، وكان بيته مفتوحًا، وقلبه مفتوحًا، ومكتبه مفتوحًا لكل المسلمين، لكل ذي حاجة مادية أو علمية أو معنوية. كان الرجل يتحرك من أجل قضايا المسلمين، ومآسي المسلمين، ولا يدع أي فرصة إلا وينصح فيها، إما بالمشافهة، وإما بالكتابة. تميز الشيخ بسعة العلم، وغزارة المادة، فقد أوتي - والحمد لله - التبحر في علوم الشريعة، في علم الفقه، والتوحيد، والحديث، والتفسير، وعلوم العربية، حتى إني لم أره يلحن مرة واحدة، بينما أرى كثيرين من الدكاترة والأساتذة - للأسف - ينصبون المجرور، ويرفعون المكسور، ولكن الشيخ كان دقيقًا جدًّا في هذا فكان علامة رحمه الله.