ويحتمل أن يكون المراد بالكتب: التي بأيدي الملائكة مما يكتب فيه القدر، فإن القدر مكتوب، فالأمور المقدرة مكتوبة في اللوح المحفوظ، وهناك كتابة في صحف بأيدي الملائكة، وهذه هي التي قال الله فيها: يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [سورة الرعد:39] يعني: اللوح المحفوظ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ فيُؤمر بأربع كلمات... [2] ، ومنه ما هو حولي في السنة فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [سورة الدخان:4]، وكذلك الأعمال التي يعملها الإنسان تكتب، فالجمع بين هذه الأقوال ما عملوه وما سيعملوه كل ذلك مكتوب، وهو الذي رجحه الحافظ ابن القيم -رحمه الله. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ أي: من أعمالهم مُسْتَطَرٌ أي: مجموع عليهم، ومسطر في صحائفهم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة القمر - قوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر- الجزء رقم28. وقد روى الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله ﷺ كان يقول: يا عائشة، إياك ومُحَقِّرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا [3] ، رواه النسائي وابن ماجة. وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [سورة القمر:54] أي: بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسُّعر والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد.
القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القمر - الآية 50
٧٣٩٨٥ - عن طاووس بن كيسان، قال: أدركتُ ناسًا مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون: كلّ شيء بقَدَر الله (١). (ز) ٧٣٩٨٦ - عن يحيى بن زكريا، قال: كنت عند سفيان بن عُيينة، فقال له رجل: إنّا وجدنا خمسة أصناف من الناس قد كفروا، ليسوا مِنّا. قال: مَن هم؟ قال: الجهمية، والقدرية، والمُرجئة، والرافضة، والنصارى. قال: كيف؟ قال: قال الله -تبارك وتعالى-: {وكلم الله موسى تكليما} [النساء: ١٦٤]. قالت الجهمية: لا، ليس كما قلتَ، بل خلقتَ كلامًا. قال: فكفروا، وأوردوا على الله - عز وجل -، وقال الله: {ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر}. قالت القدرية: لا، ليس كما قلتَ، الشّرّ من الشيطان، وليس مما خلقه. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة القمر - الآية 50. فكفروا، وأوردوا على الله، وقال الله: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية: ٢١]. قالت المُرجئة: ليس كما قلتَ، بل هم سواء. فكفروا، وأوردوا على الله. وقال علي بن أبي طالب: إنّ خير هذه الأُمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. قالت الرافضة: لا، ليس كما قلتَ، بل أنتَ خير منهما. قال: فكفروا، وأوردوا عليه، وقال عيسى ابن مريم - عليه السلام -: أنا عبد الله ورسوله.
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة القمر - قوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر- الجزء رقم28
وصح الإِخبار عن ( أمر ( وهو مذكَّر ب { واحدة} وهو مؤنث باعتبار أن ما صْدَق الأمر هنا هو أمر التسخير وهو الكلمة ، أي كلمة ( كن (. وقوله: { كلمح بالبصر} في موضع الحال من { أمرنا} باعتبار الإِخبار عنه بأنه كلمة واحدة ، أي حصول مرادنا بأمرنا كلمح بالبصر ، وهو تشبيه في سرعة الحصول ، أي ما أمرنا إلا كلمة واحدة سريعة التأثير في المتعلّقةِ هي به كسرعة لمح البصر. وهذا التشبيه في تقريب الزمان أبلغ ما جاء في الكلام العربي وهو أبلغ من قول زهير: فهن وَوادِي الرسِّ كاليد للفَم... وقد جاء في سورة النحل ( 77 ( { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب فزيد هنالك أو { هو أقرب} لأن المقام للتحذير من مفاجأة الناس بها قبل أن يستعدوا لها فهو حقيق بالمبالغة في التقريب ، بخلاف ما في هذه الآية فإنه لتمثيل أمْر الله وذلك يكفي فيه مجرد التنبيه إذ لا يتردد السامع في التصديق به. وقد أفادت هذه الآية إحاطة علم الله بكل موجود وإيجادَ الموجودات بحكمة ، وصدورها عن إرادة وقدرة. واللمح: النظر السريع وإخلاس النظر ، يقال: لَمحَ البصر ، ويقال: لَمح البرق كما يقال: لمعَ البرق. ولما كان لمح البصر أسرع من لمح البرق قال تعالى: { كلمح بالبصر} كما قال في سورة النحل ( 77 ( { إلا كلمح البصر. }
(وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ
❨٥٠❩) التدبر
(وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) إن شئت أن ترى عجائب ذلك فانظر إلى الزلازل التي تصيب مئات القرى، بل آلاف القرى، وبلحظة واحدة تعدمها! لو جاءت المعاول والآلات والقنابل، لم تفعل مثل فعل لحظة واحدة من أمر الله! ــــ ˮمحمد بن صالح ابن عثيمين" ☍...
دروس ليدبروا آياته (سورة القمر آية 50) ــــ ˮناصر العمر" ☍...
﴿وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر﴾ كيف نترك من إذا قال: كن. كان النفاذ كلمح البصر ونلجأ إلى غيره؟!! ــــ ˮمجالس التدبر" ☍...
كل أمر الله في كونه كلمح البصر, فلا تستبعد فرجا, ولا تستبطئ خيرا, فما يأذن الله به لا يمنعه مانع, ولا يرده راد. ــــ ˮمصحف تدبر المفصل" ☍...
قوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ــــ ˮأيمن الشعبان" ☍...
قال الله ﷻ:【 إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ، وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ 】: - - 【 إذا استحكم البلاء وأقفلت الأبواب 】. - 【 فعلّق قلبك بالرجاء 】. - 【 فالله قادر على تحويل القدر بِـ " كـــن " 】.
• قال الشنقيطي: من براهين البعث بعد الموت خلق الناس أولاً المشار إليه بقوله (اعبدوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ) لأن الإيجاد الأول أعظم برهان على الإيجاد الثاني، وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة: كقوله (وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ) الآية وقوله (كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) ، وكقوله (فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) الآية، وكقوله (يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ) ، وكقوله: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى) الآية. ولذا ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي الإيجاد الأول، كما في قوله (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) الآية، وقوله (أَوَلَا يَذْكُرُ إلإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً). تفسير: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين). ثم رتب على ذلك نتيجة الدليل بقوله (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) إلى غير ذلك من الآيات. (أضواء البيان). • قال ابن الجوزي: وإنما ذكر من قبلهم، لأنه أبلغ في التذكير، وأقطع للجحد، وأحوط في الحجة. وقيل إنما ذكر من قبلهم لينبههم على الاعتبار بأحوالهم من إثابة مطيع، ومعاقبة عاص.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي ... - طريق الإسلام
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) القول في تأويل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لخلقه: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) ، يعني: ذكرى تذكركم عقابَ الله وتخوّفكم وعيده (4) ، (من ربكم) ، يقول: من عند ربكم ، لم يختلقها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يفتعلها أحد، فتقولوا: لا نأمن أن تكون لا صحةَ لها. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي ... - طريق الإسلام. وإنما يعني بذلك جلّ ثناؤه القرآن، وهو الموعظة من الله. وقوله: (وشفاء لما في الصدور) ، يقول: ودواءٌ لما في الصدور من الجهل، يشفي به الله جهلَ الجهال، فيبرئ به داءهم ، ويهدي به من خلقه من أراد هدايته به ، (وهدى) ، يقول: وهو بيان لحلال الله وحرامه، ودليلٌ على طاعته ومعصيته ، (ورحمة) ، يرحم بها من شاء من خلقه، فينقذه به من الضلالة إلى الهدى، وينجيه به من الهلاك والردى. وجعله تبارك وتعالى رحمة للمؤمنين به دون الكافرين به، لأن من كفر به فهو عليه عمًى، وفي الآخرة جزاؤه على الكفر به الخلودُ في لظًى.
العلاج النفسي {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}
لأن له ما في السموات والأرض. ثانياً: أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [يونس:55]، لا بد أن يتم كما وعد، وأن ينجزه لقدرته وعظمته. إذاً: فاذكروا يا أهل الإيمان والعمل الصالح ما وعدكم ربكم من دار السلام، فإنه حق، وليذكر أهل الشرك والمعاصي وعد الله تعالى، فإنه منجزه ومنفذه، ويرمي بهم في أتون الجحيم. أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [يونس:55] ولكن أكثر البشر لا يعلمون، إي والله إن أكثرهم لا يعلمون، نسبة العالمين بهذا ليست واحداً إلى مليون، فلم لا يتعلمون؟! يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم. لم ما علموهم؟! والواقع هو هذا: أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [يونس:55]. لو علموا ما عرفوا غير الله ولا تذللوا له ولا طلبوه، لو عرفوا الله لارتعدت فرائصهم بين يديه وخافوه، ولم يقووا على معصيته والخروج عن طاعته، لو عرفوا الله للجئوا إليه وصدقوا في لجوئهم إليه، واطرحوا بين يديه، وسألوا حاجاتهم وقضاءها، لكن ما عرفوا، فالصلبان في أعناقهم، والشهوات في قلوبهم، والأطماع في أيديهم، وهم يعبدون الدنيا وشهواتها. وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [يونس:55]، ما علموا أن لله ما في السموات وما في الأرض، ما علموا أن وعد الله حق وسوف ينجزه ويتمه، لو عرفوه لانحازوا إلى سبيل الله وتركوا سبيل الشيطان.
التفريغ النصي - تفسير سورة يونس _ (19) - للشيخ أبوبكر الجزائري
إنه القرآن الكريم، القرآن شفاء لما في صدري من أمراض النفس. وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، وبتدبر آياته أصبحتُ أقدِّم مراد الله على مراد نفسي، وصار ما يرضي الله أحبَّ إلى من شهوة نفسي.
من هنا هدأت نفسي وزال ما كنت أعاني منه إلى حدٍّ كبير.. العلاج النفسي {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور}. على الأقل ما كنت أراه من العذاب ليلًا كلما أردت النوم. وكلما عاودني القلق أسرعت إلى كتاب الله، إنه نور القلوب، أبحث فيه عن السكينة والطمأنينة وراحة البال، وكلما تدبرت الآيات وجدتني في عالم أخر، قد تفيض عيناي من خشية ربي، وتعلقي بعرش الرحمن وطلبي رحمته ووده لي، ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15، 16]. وإني لأتعجب أن كل ما يدرس في علوم النفس والصحة النفسية بالجامعات - وأنا أعمل أستاذ بكلية تربية - ليس به ما يشير من قريب أو بعيدٍ إلى ما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية في فهم ماهية النفس ومكنوناتها وأسرارها وتزكيتها وأمراضها وعلاجها. وبالرجوع إلى تشخيص أطباء العلاج النفسي للأمراض النفسية فإنهم يُرجعون أسبابها في الغالب إلى أسبابٍ عضوية، والعلاج بناء على ذلك يكون بأدوية كأي مرضٍ يصيب الجسم.
تفسير: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)
إن عذاب الله عز وجل أليم شديد، ولا يعلم أحد قدره إلا قدره إلا إذا عاين ذلك، فساعتها يتمنى الظالمون لو يفتدون أنفسهم بما في الأرض جميعاً، ولكن أنى لهم ذلك، فإن ما كان مطلوباً منهم في الدنيا أيسر من ذلك لو كانوا يعقلون، ويومها يفرح المؤمنون بما آلوا إليه من النعيم والرضوان، وحق لهم أن يفرحوا فما حصلوه هو خير مما يجمعون. تفسير قوله تعالى: (ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به... )
تفسير قوله تعالى: (ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون)
الخبر الثاني: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:55]، ما هذا الخبر؟! يعلمكم الله بأن له ما في السماوات وما في الأرض، ولا يملك معه أحد شيئاً من هذا الكون، إذن فلا تطلبوا غيره، ولا تلتفوا إلى سواه، لا ترهبوا غيره، ولا تطمعوا في غيره، إذ له ما في السموات وما في الأرض، ومن قال: لنا شيء فليذكره. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [يونس:55]، مع الأسف. أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس:55] من أراد شيئاً فليطلبه من المالك، أما الذي هو مملوك ولا يملك فكيف تعكف بين يديه تطلبه حاجتك؟ ومعنى هذا ألا نسأل غير الله، إذ الله المالك وغيره مملوك ولا يملك، فكيف تسأل من المملوك الذي لا يملك وتعرض عن المالك الذي يملك؟ ومعنى هذا أنه تقرير لتوحيد العبادة، فلا يدعى غير الله، لا يرجى غير الله، لا يرهب ولا يخاف سوى الله، لماذا؟!
وكان النبي قبله يُبعث إلى قومه خاصة. وهذا من خصائصه ( صلى الله عليه وسلم)؛ أنه بُعث إلى الناس كافة قل { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}: هذا القرآن العظيم هو موعظة، وهو هدى، وهو أحكام وتشريعات، وهو أخبار عن الماضي والمستقبل. وعلوم القرآن كثيرة منها: أنه موعظة للناس. والموعظة: هي النصيحة التي تؤثر في القلوب، وتعضهم بها ما مضى من الحوادث، وما يأتي في المستقبل. فالمؤمن يتعظ بأخبار القرآن، وقصص القرآن، فيها موعظةوَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ: هذا الأمر الثاني مما جاء للناس؛ أنه شفاء لما في الصدور من الشكوك والكفر والنفاق، وأن يحل محل ذلك الإيمان بالله والطمأنينةشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ: يعني للقلوب. شفاءٌ للقلوب التي في الصدور وهُدًى: أي دلالة وارشاد لمن يريد الخير ويريد الحق وَرحْمَةٌ: القرآن من أوصافه أنه رحمة؛ رحمةٌ للناس؛ لأنه جاءهم بما يَنفعهم وما يُنقذهم من العذاب والغضب فهو رحمة القرآن رحمة. شِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وهو رحمة، هذا من أوصاف القرآن الكريم. وهدًى وموعظة للمتقين الذين ينتفعون بهذا الهدى والموعظة هم المتقون الذين يتقون الله – سبحانه وتعالى -؛ يتقون غضبه وعقابه، يتخذونه وقاية تقيهم، وقاية من الأعمال الصالحة تقيهم من المحاذير العاجلة والمستقبلة.
فالحاصل أن الناس أقسام ثلاثة: الناقصون والكاملون الذين لا يقدرون على تكميل الناقصين ، والقسم الثالث هو الكامل الذي يقدر على تكميل الناقصين ، فالقسم الأول هو عامة الخلق ، والقسم الثاني هم الأولياء ، والقسم الثالث هم الأنبياء ، ولما كانت القدرة على نقل الناقصين من درجة النقصان إلى درجة الكمال مراتبها مختلفة ودرجاتها متفاوتة ، لا جرم كانت درجات الأنبياء في قوة النبوة مختلفة. ولهذا السر: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ". إذا عرفت هذه المقدمة فنقول: إنه تعالى لما بين صحة نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بطريق المعجزة ، ففي هذه الآية بين صحة نبوته بالطريق الثاني ، وهذا الطريق طريق كاشف عن حقيقة النبوة ، معرف لماهيتها ، فالاستدلال بالمعجز هو الذي تسميه المنطقيون برهان الإن ، وهذا الطريق هو الطريق الذي يسمونه برهان اللم ، وهو أشرف وأعلى وأكمل وأفضل. المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى وصف القرآن في هذه الآية بصفات أربعة:
أولها: كونه موعظة من عند الله. وثانيها: كونه شفاء لما في الصدور. وثالثها: كونه هدى. ورابعها: كونه رحمة للمؤمنين. ولا بد لكل واحد من هذه الصفات من فائدة مخصوصة ، فنقول: إن الأرواح لما تعلقت بالأجساد كان ذلك التعلق بسبب عشق طبيعي وجب للروح على الجسد ، ثم إن جوهر الروح التذ بمشتهيات هذا العالم الجسداني وطيباته بواسطة الحواس الخمس ، وتمرن على ذلك ، وألف هذه الطريقة واعتادها.