وهذه المبالغة لقطع المعذرة عن المخالف ، وتمهيد لتعليم من اغتر بما حكاه القرآن من استغفار إبراهيم لأبيه في نحو قوله تعالى: { واغفر لأبي إنه كان من الضالين} [ الشعراء: 86]. ولذلك عقَّبه بقوله: { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} [ التوبة: 114] الخ. وقد تقدم الكلام على ( لو) الاتصالية عند قوله تعالى: { ولو افتدى به} في سورة آل عمران ( 91). قراءة سورة التوبة
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة التوبة - الآية 113
الحمد لله. نعم يجوز تعزيتهم عند
الوفاة، وعيادتهم عند المرض، ومواساتهم عند المصيبة. فعن أنس -رضي الله عنه-
قال: ( كان غلام يهودي يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرض، فأتاه النبي -صلى
الله عليه وسلم- يعوده ، فقعد عند رأسه، فقال له: ( أسلم) ، فنظر إلى أبيه
وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- فأسلم ، فخرج النبي
-صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: ( الحمد لله الذي أنقذه من النار). أخرجه
البخاري (1356). الدرر السنية. وعنه - رضي الله عنه - أن يهودياً دعا النبي
- صلى الله عليه وسلم - إلى خبز شعير، وإهالة سنخة فأجابه. أخرجه
أحمد (13201) بسند صحيح. وينبّه على أن المسلم إذا فعل ذلك فعليه
أن ينوي بذلك دعوتهم، وتأليف قلوبهم على الإسلام، ويدعوهم بالطريقة المناسبة
في الوقت المناسب. كما ينبّه أيضاً على أنه في حالة التعزية
لا يدعى لميّتهم بالمغفرة وبالرحمة أو الجنة، لقوله تعالى: ما كان للنبي والذين
آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أُولي قربى وإنما يدعى لهم بما يناسب
حالهم بحثهم على الصبر، ومواساتهم، وتذكيرهم بأن هذه سنّة الله في خلقه. والله
أعلم.
الدرر السنية
ولما كان فريق من المسلمين راغبين في أن يستغفروا للمحسنين الذين ماتوا وهم مشركون، فقد نهاهم القرآن بصراحة عن ذلك، وصرّح بأن وضع إِبراهيم يختلف تماماً عن وضعهم، فإنّه كان يستغفر لآزر في حياته رجاء هدايته وإِيمانه، لا بعد موته. 3 - ضرورة قطع كل رابطة بالأعداء
إِنّ هذه الآية ليست الوحيدة التي تتحدث عن قطع كل رابطة بالمشركين، بل يستخلص من عدّة آيات في القرآن الكريم أن كل ارتباط وتضامن وعلاقة، العائلية منها وغيرها، يجب أن تخضع لإِطار العلاقات العقائدية، ويجب أن يحكم الانتماء الى الله ومحاربة كل أشكال الشرك والوثنية كل اشكاليات الترابط بين المسلمين. تفسير سورة التوبة الآية 109 تفسير ابن كثير - القران للجميع. لأنّ هذا الإِرتباط هو الأساس والحاكم على كل مقدراتهم الإِجتماعية، ولا تستطيع العلاقات والروابط السطحية والفوقية أن تنفيه. إِنّ هذا درس كبير للأمس واليوم، وكل الأعصار والقرون. 1 - تفسير المنار، وتفاسير أُخرى لأهل السنة. 2 - لقد ورد النهي عن محبّة وموالاة الكافرين صريحاً في الآية (139) من سورة النساء، والتي نزلت قبل سورة التوبة مسلماً، وكذلك في الآية (38) من سورة آل عمران، وهي كذلك نزلت قبل سورة براءة، وفي هذه السورة قال الله سبحانه لنبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في الآيات التي سبقت هذه الآية: (استغفر لهم أو لا تستغفر إِن تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم).
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة التوبة - الآية 113
الثاني: أن مثل هذا الحكم مما يثبت بالسمع، وإبراهيم لم يعلم بالتحريم حتى أخبره الله به، وأما محمد صلى الله عليه وسلم، فإنما طلب التجاوز عن حقه كإنسان. الثالث: أن هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الحكاية عن نبي من الأنبياء، بدليل ما رواه مسلم والبخاري عن عبدالله، قال: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء ضربه قومه وهو يمسح بالدم عن وجهه ويقول: ((رب اغفر لقومي فإنهم لا يعملون)). الرابع: أنَّ الاستغفار الممنوع هو لمن تبيَّنت عداوته بأن مات على الشرك، أو أُوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يموت على الشرك، أما الاستغفار للأحياء المرجو إيمانهم - فجائز، وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم؛ لقول ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم، فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة التوبة - الآية 113. الأحكام:
1 - لا يجوز الاستغفار للمشرك إذا تبينت عداوته لله. 2 - جواز الحكم على الإنسان بأنه مات على الإسلام أو الكفر بما يظهر من آخر كلامه. 3 - وجوب البراءة من المشركين ولو كانوا أولي قربى.
تفسير سورة التوبة الآية 109 تفسير ابن كثير - القران للجميع
فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو للّهُ سيموت على الكفر ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير "تَبَرَّأَ مِنْهُ" موافقة لربه وتأدبا معه. "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ" أي: رجَّاع إلى اللّه في جميع الأمور كثير الذكر والدعاء والاستغفار والإنابة إلى ربه. "حَلِيمٌ" أي: ذو رحمة بالخلق وصفح عما يصدر منهم إليه من الزلات لا يستفزه جهل الجاهلين ولا يقابل الجاني عليه بجرمه فأبوه قال له: "لأَرْجُمَنَّكَ" وهو يقول له: "سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي" اهـ. وروى البخاري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرض الإسلام على عمه أبي طالب وهو يموت، فأبى ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْهُ. فَنَزَلَت:" مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" وَنَزَلَتْ:" إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"مَا لَمْ أَنَّهُ عَنْهُ" أَيْ: الاسْتِغْفَار, وَفِي رِوَايَة: (عَنْك) ا. هـ. و روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي.
هـ.
رواه البخاري ومسلم. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري: "ذَكَرَ البخاري حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي قُدُومِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرو الدَّوسِيِّ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "اللَّهُمَّ اِهْدِ دَوسًا" وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. وَقَوْلُه: "لِيَتَأَلَّفَهُمْ" مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفَ إِشَارَة مِنْهُ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ ، وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ تَارَةً يَدْعُو عَلَيْهِمْ ، وَتَارَةً يَدْعُو لَهُمْ ، فَالْحَالَة الأُولَى حَيْثُ تَشْتَدُّ شَوْكَتُهُمْ ، وَيَكْثُرُ أَذَاهُمْ ، وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ حَيْثُ تُؤْمَنُ غَائِلَتُهُمْ ، وَيُرْجَى تَأَلُّفُهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ دَوْسٍ ا. هـ. وروى الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ، وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ. صححه الألباني في صحيح الترمذي. قال الحافظ ابن حجر:
حَدِيث أَبِي مُوسَى دَالّ عَلَى أَنَّهُمْ (يعني: الكفار) يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَق الأَمْر بِالتَّشْمِيتِ, لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيت مَخْصُوص وَهُوَ الدُّعَاء لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلاح الْبَال وَهُوَ الشَّأْن وَلا مَانِع مِنْ ذَلِكَ, بِخِلافِ تَشْمِيت الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْل الدُّعَاء بِالرَّحْمَةِ بِخِلافِ الْكُفَّار ا.