حكم الوقف على وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
قال تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا مـ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212]. رموز المصاحف:: توافقت عموم المصاحف المختارة على لزوم الوقف على هذا الموضع سورة
شمرلي
المدينة
دمشق
باكستان
البقرة
مـ
التوجيه والدراسة:
تحديد الوقف يكون بالنظر إلى إعراب جملة (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ) ولها احتمالان في الإعراب:
الأول: أن تكون معطوفة على جملة ( زين للذين كفروا)) (1)
الثاني: أن تكون جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب..
قال العكبري: وَالْوَقْفُ عَلَى آمَنُوا. (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا): مُبْتَدَأٌ، وَ (فَوْقَهُمْ): خَبَرُهُ (1). أقوال علماء الوقف والابتداء:
اختلف علماء الوقف في الحكم على هذا الموضع:
الأول: أنَّ الوقف كاف، وهو اختيار الداني (3). الثاني: أنَّ الوقف حسن، وبه قال ابن الأنباري والنحاس، والأنصاري والأشموني (3). اعراب زين للذين كفروا الحياة الدنيا - إسألنا. الثالث: أنَّ الوقف لازم، وهو اختيار السجاوندي (4)
الدراسة والموازنة:
توجيه الرأي الأول: اختيار الداني للوقف الكافي باعتبار استئناف ما بعده.
القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة البقرة - الآية 212
والتزيين: جعل الشيء زينا أو الاحتجاج لكونه زينا ، لأن التفعيل يأتي للجعل ويأتي للنسبة كالتعليم وكالتفسيق والتزكية ، والزين شدة الحسن. والحياة الدنيا مراد بها ما تشتمل عليه الحياة من اللذات والملائمات والذوات الحسنة ، وهذا إطلاق مشهور للحياة وما يرادفها; ففي الحديث: من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أي إلى منافع دنيا ، وهو على حذف مضاف اشتهر حذفه. حكم الوقف على {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } - ملتقى أهل التفسير. ومعنى تزيين الحياة لهم ، إما أن ما خلق زينا في الدنيا قد تمكن من نفوسهم واشتد توغلهم في استحسانه ، لأن الأشياء الزينة هي حسنة في أعين جميع الناس فلا يختص الذين كفروا بجعلها لهم زينة كما هو مقتضى قوله: للذين كفروا; فإن اللام تشعر بالاختصاص ، وإما ترويج تزيينها في نفوسهم بدعوة شيطانية تحسن ما ليس بالحسن كالأقيسة الشعرية والخواطر الشهوية ، والمزين على المعنى الأول هو الله تعالى إلا أنهم أفرطوا في الإقبال على الزينة ، والمزين على المعنى الثاني هو الشيطان ودعاته. وحذف فاعل التزيين ، لأن المزين لهم أمور كثيرة: منها خلق بعض الأشياء حسنة بديعة كمحاسن الذوات والمناظر ، ومنها إلقاء حسن بعض الأشياء في نفوسهم وهي غير حسنة كقتل النفس ، ومنها إعراضهم عمن يدعوهم إلى الإقبال على الأمور النافعة حتى انحصرت هممهم في التوغل من المحاسن الظاهرة التي تحتها العار لو كان باديا ، ومنها ارتياضهم على الانكباب على اللذات دون الفكر في المصالح ، إلى غير ذلك من أمور يصلح كل منها أن يعد فاعلا للتزيين حقيقة أو عرفا ، فلأجل ذلك طوي ذكر هذا الفاعل تجنبا للإطالة.
اعراب زين للذين كفروا الحياة الدنيا - إسألنا
والحساب هنا حصر المقدار فنفي الحساب نفي لعلم مقدار الرزق ، وقد شاعت هذه الكنابة في كلام العرب كما شاع عندهم أن يقولوا يُعَدُّون بالأصابع ويحيط بها العد كناية عن القِلّة ومنه قولهم شيء لا يُحصى ولذلك صح أن ينفى الحساب هنا عن أمر لا يعقل حسابه وهو الفوقية وقال قيس بن الخطيم: ما تمنعِي يقظي فقد تُؤْتينه... في النَّوْم غيرَ مُصَرَّدٍ محسوبِ
حكم الوقف على {وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا } - ملتقى أهل التفسير
والسَخَر بفتحتين: كالفرح وقد تسكن الخاء تخفيفاً وفعله كفرح والسُّخرية الاسم ، وهو تعجب مشوب باحتقار الحال المتعجب منها ، وفعله قاصر لدلالته على وصف نفسي مثل عَجِب ، ويتعدى بمن جارَّة لصاحب الحال المتعجَّب منها فهي ابتدائية ابتداء معنوياً ، وفي لغة تعديته بالباء وهي ضعيفة.
قلت: الآية تعريض بأن غير المتقين لا تظهر مزيتهم يوم القيامة وإنما تظهر بعد ذلك ، لأن يوم القيامة هو مبدأ أيام الجزاء فغير المتقين لا يظهر لهم التفوق يومئذ ، ولا يدركه الكفار بالحس [ ص: 298] قال تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين نعم تظهر مزيتهم بعد انقضاء ما قدر لهم من العذاب على الذنوب. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة البقرة - الآية 212. روي عن ابن عباس أن الآية نزلت في سادة قريش بمكة سخروا من فقراء المؤمنين وضعفائهم فأعلمهم الله أن فقراء المؤمنين خير منهم عند الله ، ووعد الله الفقراء بالرزق ، وفي قوله: " من يشاء " تعريض بتهديد المشركين بقطع الرزق عنهم وزوال حظوتهم. وقوله والله يرزق من يشاء إلخ تذييل قصد منه تعظيم تشريف المؤمنين يوم القيامة ، لأن التذييل لا بد أن يكون مرتبطا بما قبله فالسامع يعلم من هذا التذييل معنى محذوفا تقديره: والذين اتقوا فوقهم فوقية عظيمة لا يحيط بها الوصف ، لأنها فوقية منحوها من فضل الله وفضل الله لا نهاية له ، ولأن سخرية الذين كفروا بالذين آمنوا أنهم سخروا بفقراء المؤمنين لإقلالهم. والحساب هنا حصر المقدار فنفي الحساب نفي لعلم مقدار الرزق ، وقد شاعت هذه الكناية في كلام العرب كما شاع عندهم أن يقولوا: يعدون بالأصابع ، ويحيط بها العد ، كناية عن القلة ومنه قولهم: شيء لا يحصى ولذلك صح أن ينفى الحساب هنا عن أمر لا يعقل حسابه وهو الفوقية وقال قيس بن الخطيم: ما تمنعي يقظى فقد تؤتينه في النوم غير مصرد محسوب