وقد تكلمنا في الأسبوع الماضي على اعتقادات باطلة كان يعتقدها أهل الجاهلية في السحرة والكهنة، وأنهم ارتقوا بهم إلى درجات الأولياء، واليوم سنتكلم عن أفعال لأهل الجاهلية جاء النبي صلى الله عليه وسلم ينكر هذه الأفعال ويبطلها، وإذا أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الجاهلية فمن باب أولى أن يبطلها على أهل الإسلام، وهذه الأفعال هي الأنساك التي جعلها الله جلا وعلا على عباده، وهي عبادة الذبح. فالذبح شعيرة من شعائر الإسلام، عبادة من العبادات التي فرضها الله على عباده، وهي من أجل العبادات وأفضل العبادات المالية التي يتقرب بها المرء إلى ربه جلا في علاه. وقد كان أهل الجاهلية يتقربون بهذه العبادة لغير الله جلا في علاه، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية يتقربون إلى آلهتهم بالذبح، فيأتون إلى القبور فيذبحون عند قبور من يرون فيهم الصلاح، وتسمى عقيرة أو تسمى عتيرة أو تسمى الفرع، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يرد هذه الأنساك التي يتقرب بها لغير الله جلا في علاه، فأبطلها وبين أنها من أكبر الشرك، وأنكرها الله جلا وعلا على العباد. أدلة الذبح لله
انتشار الذبح لغير الله في أمة الإسلام
صور الذبح
الذبح عند حدوث نعمة متفش في الناس، فإذا منّ الله جل وعلا على العبد بمال، أو فتح مشروعاً من المشروعات، أو رزقه الله جل وعلا سيارة جديدة أو ببيتاً جديداً فترى الناس يذبحون الأبقار والإبل من أجل هذه النعمة، وهذا الذبح له أحوال: الحالة الأولى: أن يذبح شكراً لله، ويكرم الناس باللحم.
الذبح لغير ه
قال الرافعي -رحمه الله- كما في المجموع للإمام النووي -رحمه الله-: واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود، وكل واحد منهما من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفراً كمن يسجد لغير الله سجدة عبادة، فكذا لو ذبح له أو لغيره على هذا الوجه. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فالذبح للمعبود غاية الذل والخضوع له، ولهذا لم يجز الذبح لغير الله، ولا أن يسمى غير الله على الذبائح. ومن فعل هذا الفعل الشنيع فهو ملعون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من ذبح لغير الله. رواه مسلم والنسائي وأحمد. ولحم الذبيحة في هذه الصورة حرام لا يحل أكله. وإن كان المقصود أنه يقوم بالذبح لهؤلاء الأولياء تعظيماً لهم ويقصد في قلبه الذبح لهم ولكن عند الذبح يذكر اسم الله على الذبيحة، فهذه الذبيحة لا يحل أكلها واعتقاده فاسد وهو من الشرك الأكبر المخرج من ملة الإسلام، وذبيحته ذبيحة مرتد لا يجوز أكلها ولو ذكر اسم الله عليها. والله أعلم.
حكم الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
باب ما جاء في الذبح لغير الله العصيمي
والشرك الأكبر هو أن تسوية شخص مثل الأنبياء والأولياء الصالحين أو الموتى أجمعين، أو جماد كالكواكب والنجوم، والنار. مع الله تعالى ووضع مكانتهم في نفس المكانة من التبجيل والاحترام والعبادة. أي إن الشرك الأكبر هو تخصيص العبادة لغير الله مثل الاستنجاد بالرسل والدعاء بالموتى. مثل أن يقول الإنسان انصرني يا فلان، أو احفظني ويستنجد بأسماء الرسل، فالحافظ والناصر هو الله تعالى لا شريك له. كما أن الشرك الأكبر يتمثل أيضًا في الخروج من توحيد الألوهية والعبادة وإخضاع إله أخر يعبده الإنسان بصورة رسمية وعلى الملأ. كما أن تحليل ما حرمه الله يعد من الشرك الأكبر كقول أن الخمر ليست حرامًا أو يبيح الربا ويحلله. ومن فعل ذلك حتى وإن كان باقيًا على إسلامه يعامل معاملة المشرك ولا يعامل كباقي المسلمين. التوبة بعد الشرك بالله
إن من مات على شرك فيمنع باقي المسلمين من الصلاة عليه أو الاستغفار له ولا يُغسل ولا يدفن مع المسلمين. وقد كان الدليل على ذلك أن النبي طلب أن يستغفر لوالدته لكن تم منعه لأنها ماتت في أيام الجاهلية. لذلك فإن الموت على شرك هو أمر عظيم نرجو الله أن يعفينا جميعنا وإياكم منه. ومن أشرك وهو على غير علم بما فعل في لحظة فعله وأراد التوبة والرجوع لله.
الذبح لغير الله من أمثلة
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرواك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رواه الترمذي وأحمد. وعلى كلٍ، فإن من اعتقد في الأحياء أو الأموات أنهم ينفعون ويضرون بغير إذن الله فقد كفر والعياذ بالله، وكذلك من دعا الأموات أو تقرب إليهم بالذبح أو النذر وإن لم يعتقد بهم النفع والضر. أما ما يفعله هذا الرجل من الذبح للأولياء فإن كان المقصود أن يذبح الأغنام لله تعالى ويذكر اسم الله عليها ويتصدق بلحمها ويهدي ثواب الصدقة لهؤلاء فهذه مسألة اختلف فيها العلماء، وانظر تفصيلها في الفتوى رقم: 11599 ولحمها حينئذ حلال ولا إشكال فيه. ولكن الحكم لا ينطبق على ذابح الأغنام هذا لأمور: أولها: أنه يعتقد النفع والضر في هؤلاء وهذا الاعتقاد كفر ومعتقده كافر. الثاني: أن الذبح لهؤلاء ذريعة إلى الشرك؛ وإلا فما الذي يصرفه عن إهداء الثواب لأحب وأقرب الناس إليه كأبيه وأمه، ثم يهدي ثوابها لرجل بينه وبينهما قرون إلا أنه يعتقد فيه قدرة على نفع أو ضر. الثالث: أن في فعله ذلك تغريراً وتضليلاً لبقية الناس من العوام وغيرهم الذين لم ترسخ فيهم العقيدة الصحيحة، وأن الله وحده هو النافع والضار، وإن كان المقصود أن يذبح الأغنام ويذكر عليها أسماء هؤلاء الأشخاص فهذا شرك أكبر مخرج من ملة الإسلام والعياذ بالله.
الذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله
فقال - صلى الله عليه وسلم - أوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. فتأمل معي أخي المسلم في دقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تحرى الأمر. إنه - صلى الله عليه وسلم - يخاف أن يكون الرجل قد حن إلى الشرك مرة أخرى فيريد أن يذبح بهذا المكان، لأنه كان يذبح فيه لصنم قبل إسلامه، فقالوا له لا يا رسول الله، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يطمئن: هل كان هناك عيد من أعيادهم الجاهلية - مثلما يحدث في هذه الأيام من موالد يختلط فيها الحابل بالنابل وتستباح الحرمات وتصبح سوقا رائجة للشرك - وبعدما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما سيفعل الرجل قال قولا قاطعا محددا: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم. هدانا الله وإياكم إلى أقوم طريق - آمين. المصدر: مجلة التوحيد، عدد 1411 رمضان هـ، صفحة 53.
[5] آل عمران: 183. [6] انظر الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية جـ35. [7] سورة الكوثر: 2. [8] الأنعام: 162. [9] انظر مجموعة التوحيد. [10] انظر كتاب الأضاحي ح رقم 1978. [11] انظر مجموعة التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. [12] الزمر: 3. [13] الشيخ حافظ أحمد حكمي (رحمه الله). [14] أحمد في الزهد (ص 15) وأبو نعيم في الحلية 1/203 وكلاهما عن سلمان موقوفًا. وسنده صحيح، وابن القيم عزاه إلى أحمد مرفوعًا ولم أجده. انظر كتاب معارج القبول 2/454.