فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولاً. كما كان -صلى الله عليه وسلم- يقول (اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ أعُوذُ بعزَّتِكَ؛ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُون) مُتَّفَقٌ عَلَيه. كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوماً على آلة حدباء محمولُ الموت: لا يرحم صغيراً، ولا يوقر كبيراً، ولا يخاف عظيماً، لا يستأذن على الملوك، ولا يلج من الأبواب. قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم. تزود من الدنيا فإنك لا تدري … إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجر الموت: يموت الصالحون ويموت الطالحون، ويموت المجاهدون ويموت القاعدون، يموت مريدوا الآخرة، ويموت مريدوا الدنيا. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب … متى حط عن نعشه ذاك يركب إنه جدير بمن الموت مصرعُه، والتراب مضجعه، والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار موعده، أنْ لا يكون له فكر إلا في الموت، ولا ذكر إلا له، ولا استعداد إلا لأجله، ولا تدبير إلا فيه، ولا تطلع إلا إليه، ولا تأهب إلا له.
- قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم
قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي قدر الآجال والأعمار وكتب الفناء على جميع الخلائق [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ] (الرحمن الآيتان26، 27) والصلاة والسلام على من ذاق طعم الموت القائل وهو في سياق الموت (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا](الأحزاب الآيتان70، 71).
وعلى أي حال كنت ستموت، إن كنت قويا ستموت، إن كنت ضعيفا ستموت، كبيرا أو صغيرا ستموت، غنيا أو فقيرا ستموت، حاكما أو محكوما ستموت، فلا أهلُك يمنعوك من الموت، ولا المال يفديك، ولا المنصب ولا القوة والجبروت، ولا الجاه ولا السلطان، إنها الحقيقة التي تُعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وفي عقل كل عاقل، وفي قلب كل حيّ أنَّ الكل سيموت. فكل باكٍ سيُبكى، وكل ناعٍ سيُنعى، وكل مذخور سيَفنى، وكل مذكور سيُنسى، ليس غيرُ الله يبقى، من علا فالله أعلى. الكلُّ سيموتُ إلا ذو العزة والجبروت، قال الله جلَّ في علاه: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]. وقال جل جلاله: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾. إنها الحقيقة التي يسقط عندها جبروت المتجبرين، وعناد الملحدين، وطغيان الطغاة المستكبرين. إنها الحقيقة التي شرِب من كأسها العصاة والطائعون، وشرب من كأسها الأنبياء والمرسلون، قال ربنا: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مت فَهُمُ الخَالِدُونَ ﴾. إنها الحقيقة التي لا مفر منها طال الزمان أو قصر. قصة "ملك الموت" تفتح شهية الروائيين الأجانب الخليج الجديد : برس بي. ابن آدم، هذا هو آخر يوم لك في الحياة الدنيا، وهذه هي آخر ساعة لك فيها، قال ربنا: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].