بسم الله الرحمن الرحيم
ما معنى الحديث " اللهم أعط كل منفق خلفا، وأعط كل ممسك تلفا " وأحياناً ادخر بعض المال فهل اعتبر من الممسكين ؟
علي أحمد ـ تعز
الجواب:
هذا الحديث الذي ذكرته رواه البخاري ومسلم وغيرهما, من حديث أَبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. اللهم أعط منفقا خلفا - ملتقى الخطباء. قال الإمام النووي: قال العلماء: هذا في الإنفاق في الطاعات ومَكارِم الأخلاق وعلى العيال والضِّيفان والصدقات ونحو ذلك ، بحيث لا يُذَمّ ولا يُسَمّى سَرَفا ، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا. اهـ.
اللهم أعط منفقا خلفا - ملتقى الخطباء
أيها الإخوة في الله: وأنتم ترون وتسمعون ما يصيب أموال بعض الناس من كوارث تؤدي إلى تلفها، من حريق وغرق، ونهب وسلب وخسارة وإفلاس، وما يصيب الثمار من الآفات التي تقضي عليها، أو تنقصها نقصًا ظاهرًا. اللهم أعط منفقا خلفا. فاتقوا الله -عباد الله-، وأخرِجوا الزكاة طيبة بها نفوسكم، غير متمنين بها، ولا مستكثرين لها، ولا كارهين لإخراجها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة: 103، 104]. نجد في كتاب الله أن الإيمانَ مقرونٌ بالإنفاق في سبيل الله؛ مما يوحي بأهمية الإنفاق وعظيم أجر المنفقين، وأوضح -سبحانه وتعالى- أن صاحب المال ما هو إلا مستخلف فيما بين يديه ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد: 7]. ومَنْ مِنَ الناس لا تستشرف نفسُه لهذا الأجر الكبير؟
أيها الإخوة في الله: إنه -مع قرب دخول موسم الشتاء-؛ فإن حاجة الفقراء والمساكين والمحتاجين والضعفاء تزداد وتتضاعف، وإن البحث عن هؤلاء المحتاجين لإعطائهم ما يحتاجون من أفضل الأعمال عند الله.
وقد يكون الإنفاق على مَن سواهم على وجه التطوُّع، والفرضُ أفضلُ من التطوُّع؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: ((ما تَقرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحَبَّ إليَّ مما افترَضتُه عليه)). لكن الشيطان يرغِّب الإنسانَ في التطوع، ويقِّلل رغْبتَه في الواجب، فتجده مثلًا يحرص على الصدقة ويدَعُ الواجب، يتصدَّق على مسكين أو ما أشبه ذلك، ويدَعُ الواجبَ لأهله، يتصدَّق على مسكين أو نحوه ويدَع الواجبَ لنفسه؛ كقضاء الدَّيْنِ مثلًا، تجده مَدينًا يُطالِبُه صاحبُ الدَّينِ بدَينِه وهو لا يوفي، ويذهب يتصدَّق على المساكين، وربما يذهب للعمرة أو لحجِّ التطوع وما أشبه ذلك ويدع الواجب، وهذا خلاف الشرع وخلاف الحكمة، فهو سَفَهٌ في العقل، وضلالٌ في الشرع. والواجب على المسلم أن يبدأ بالواجب الذي هو محتَّمٌ عليه، ثم بعد ذلك ما أراد من التطوع بشرط ألا تكون مُسْرِفًا ولا مُقَطِّرًا، فتخرج عن سبيل الاعتدال؛ لقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]. يعني لا إقتار ولا إسراف، بل قَوامًا، ولم يقل: (بين ذلك) فقط، بل: (بين ذلك قوامًا)، قد يكون الأفضل أن تزيد، أو أن تنقص، أو بين ذلك بالوسط.