ولهذا كان يعتكف في المسجد هذه العشر، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان» [10] ، واستمر هديه في هذا حتى آخر سنة من حياته الشريفة عليه الصلاة والسلام فزاد هذه العشر عشراً أخرى، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً» [11]. فالعشر الأواخر لها شأن خاص، تصفه عائشة رضي الله عنها في وصفين كاشفين عن حقيقة هذا الاجتهاد النبوي الخاص فيها، فتقول: «كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» [12]. كان النبي صلى الله عليه وسلم أشجع الناس - إسلام ويب - مركز الفتوى. وتقول: «كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله» [13]. غير أن قيام الليل آنذاك لم يكن في جماعة واحدة في المسجد، وإنما كانوا يصلون فرادى، وإنما صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم بعض ليالٍ منها ثم ترك، تبين ذلك عائشة رضي الله عنها فتقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يُفرض عليكم».
كان النبي صلي الله عليه وسلم انشوده
أمامة بنت أبي العاص رضي الله عنها، حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم من ابنته زينب رضي الله عنها، وأبوها أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، وقد تُوفيت أمّها زينب وهي صغيرة، لتعيش مع جدّها صلى الله عليه وسلم الذي اهتم بها اهتماماً كبيرا، وأحبّها حباً شديدا، وكان يخصّها بالهدايا، ويأخذها معه إلى المسجد، ويحملها على عاتقه وهو يُصلّي. ونبينا صلى الله عليه وسلم كان له من الأحفاد ثمانية، خمسة لابنته فاطمة وهم: الحسن و الحسين و محسن و زينب وأم كلثوم، قال ابن كثير في البداية والنهاية: "فأول زوجة تزوجها عليّ رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بَنَى بها بعد وقعة بدر، فولدت له الحسن و حسيناً ، ويقال: و محسناً ومات وهو صغير، وولدت له زينب و أم كلثوم ". وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" في كلامه عن فاطمة رضي الله عنها: "قال ابن عبد البَر: فولدت له الحسن و الحسين و محسنا ، و أم كلثوم و زينب ". كان النبي صلي الله عليه وسلم رمز. واثنان من أحفاده صلى الله عليه وسلم لابنته زينب: عليّ و أمامة ، قال ابن حجر: "اتفق أهل العلم بالنسب أن زينب لم تلد لأبي العاص إلا: عليّاً و أمامة فقط"، وقال ابن سعد: "ولدت زينب لأبي العاص عليًّا و أُمامة ، فتوفي علي وهو صغير، وبقيت أُمامة ".
إن سيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لتعجز بضعة من الحروف أن تحتضنها أو بضع من الكلمات أن تفيها حقها، إنّ في كل موقف لرسول الله عبرًا وعظات، وكل متأمل لوقفات حياته لا بد أن يخرج بما يأت به الأولون من الفضائل العظيمة، رجل من أربعة عشر قرن قاد الدنيا فكان هو المعلم الأول لكل شيء، استطاع أن يخرج العالم من ظلمات بعضها فوق بعض إلى نور العلم والهداية والسلام والرحمة، فكان خير الرسل والأنبياء وخير مَن طلعت عليهم الشمس منذ أن أذن لها ربها بالشروق. لقراءة المزيد، انظر هنا: أجمل ما قيل عن النبي صلى الله عليه وسلم. المراجع ↑ "ولد الهدى فالكائنات ضياء" ، الديوان ، اطّلع عليه بتاريخ 8/6/2021.