جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن
تاريخ النشر: 2019-06-14
"أنام ملء جفوني عن شواردها"
بقلم: يوسف ناصر*
(تعقيب على مقال الأخت الأستاذة زينة محمد الجانوديّ)
الأستاذة زينة! إنّ الخوض في غمار ضعف اللغة العربيّة في أقلام أبنائها وألسنتهم موضوع يحتاج إلى دراسة عميقة تستند إلى التجربة الكافية ،والبحث اللغويّ القائم على قواعده العلميّة الحديثة. وإذ أُجِلّ فيك انتماءك الأصيل للغة الآباء والأجداد ، وأبعث لقلمك السيّال على أجنحة الأنسام من روابي الجليل الفيحاء تحيّة تقدير واحترام ، وقد أجاد وأفاد ، وفاض واستفاض في تحليل أسباب ضعف لغتنا العربيّة ، وإذ أوافقك في الرأي وأخالفك في بعض ما عرضتِه من أفكار وآراء تستحقّ كلّ عناية واهتمام ، لا أدري كيف فاتتك الإشارة إلى كفاءات أكثر مدرّسي اللغة العربيّة وأساتذتها في مدارسنا وجامعاتنا! "أنام ملء جفوني عن شواردها" | دنيا الرأي. ولا أتوخّى فيما أقول التجنّي على أحد ، أو تنقُّص أيّ منهم ، فهم أبناؤنا وإخوتنا وأساتذة أولادنا. وفي نظري ، وقبل كلّ سبب ذكرتِه في مقالك ، أنّ واقع اللغة العربيّة وما بلغته من انحطاط وسقوط في عصرنا ، يعود إلى كثرة الشّهادات وقلّة الكفاءات لدى أكثر أساتذتها ومدرسيها ممّن لا يمتلكون ناصيتها، ولا يتضلّعون من أسرارها، ولا يغبّون من بحرها، ولا يعكفون على الدرس والقراءة الدائمة فيها ، لذا شاع اللحن على أفظع ما يكون ، وغدا الخطأ في استعمال مفرداتها صوابًا حين يكتب الناس ويتكلمون، وصارت لدى "أربابها" " فوضى لا سراة لها" قد فسدت ألسنتهم في معرفة دقائقها واستعمال أفعالها وأسمائها، وغدا الترحيل " تهجيرًا " والتأسيس "مأسسة" وقيسي عليه!
- "أنام ملء جفوني عن شواردها" | دنيا الرأي
- جريدة الرياض | واحرَّ قلباهُ ممّن قلبه شَبِمُ
"أنام ملء جفوني عن شواردها" | دنيا الرأي
لست في هذا المقال بحاجة إلى الحديث عن التنفير من الحسد وبيان عاقبته، لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله، ومن الحسد ما قتل، ففي القرآن الكريم سورة كاملة تتحدث عن الحسد والاستعاذة منه، لكني أجد نفسي متحيراً في نفسية ذاك الحاسد، وما الذي يجنيه من حسده للناس، وتفكيره في ما في أيديهم، في حين قد يكون لديه أفضل مما عندهم.. وأجدني أتساءل عن السر الذي يدفعه لإصابة نفسه بالأمراض، وكل ذلك لأجل غاية لن يدركها أبداً، فالله سبحانه من يقسم الأرزاق، والمناصب في الدنيا، ولن يقف في وجه ذلك حسد حاسد أو أمنية حاقد.
جريدة الرياض | واحرَّ قلباهُ ممّن قلبه شَبِمُ
وعرج عبد الغفار حسين على ما يمكن ان نسميه اقتباسات لشعراء عرب كبار نهلوا من شعر المتنبي على غرار أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال: وما نيل المطالب بالتمني/ ولكن تؤخذ الدنيا غلابا. بينما قال المتنبي: طعم الموت في أمر صغير/كطعم الموت في أمر عظيم. مشاركة المستشار إبراهيم بوملحة جاءت مستفيضة وسلة ونظر من خلالها إلى بعض الجوانب التي يمكن أن نصفها بالسلبية في شخصية ومواقف أبي الطيب المتنبي مدعما كل فكرة طرحها في هذا الشأن ببيت أو أكثر من شعره. كما أعرب من بداية مداخلته عن أمله في أن تتكامل مشاركته مع مشاركة مساجله في تناول هذا العملاق الشعري، بينما قدم اعتذاره على تناول المتنبي من هذا المنظور قائلا: حين أكتب في نقد أبي الطيب المتنبي، فإن الموقف يلزمني أن أتقدم ببالغ معذرتي لكونه شاعرا أحبه وأتغنى به وأتفاعل مع جماليات الحسن والذوق فيه. وربما أجد نفسي ملوما لأن أتعرض لهذا الشاعر الذي يمثل الرمز الشعري في كثير من أبياته وقصائده. لكن ذلك لا يحول نقد المتنبي ، على حد تعبير بوملحة،الذي يعتبر المتنبي « شاعر العربية الأوحد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ليس في عصره فقط وإنما إلى اليوم، وسيبقى المتنبي علامة بارزة ومعلما من معالم الشعر العربي في كل العصور»، مضيفا أنه « يكفي المتنبي قدرا في شعره أنه كان من مناصريه ومحبيه والمعجبين بشعره شاعر العربية أبو علاء المعري والأديب محمود شاكر».
اذا كان هذا من مفهوم السوقة، فهو لا يتفق وادعاء المتنبي، الذي توسع كثيرا في تأكيد هذا التفرد الشعري ، ألم يقل:
ولكنه طال الطريق,, ولم أزل
أفتش عن هذا الكلام وينهب!! أين هو التفتيش يااستاذ ابراهيم؟! وألم يقل كذلك:
وما الدهر الا من رواة قصائدي
اذا قلت شعراً,, اصبح الدهر منشدا!! وهنا يكون الدهر راوية للسوقة والعوام! ألم يقل كذلك:
وماتَسَعُ الأزمانُ علمي بأمرها
وما تحسن الأيام تكتبُ ما أُملي!! من الذي يملي السوقة والعوام أم ابومحسّد؟! ومن هنا تبقى للمتنبي الريادة، والسيادة، والتفرد، محققة من ناحيتين هما التفوق الشعري المتمثل في عمق الصورة، وعذوبة الأسلوب، ومن ناحية أخرى,, انتبه اليها/ عبدالرحمن البيساني القاضي الفاضل حين قال: ان اباالطيب ينطق عن خواطر الناس ، نعم - اي والله - ينطق، الم يقل:
والظلم من شيم النفوس، فإن تجد
ذا عفة,, فعلةٍ لا يظلم؟! بل ألم يقل,, وهذه هي الصراحة:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً له,, ما من صداقته بدُّ!! هامش:
راجع من معجم المتنبي - دراسة لغوية تاريخية لابراهيم السامرائي ص12