هذه الصورة الرهيبة التي أطلع الله - تعالى - رسوله عليها من خلال الوحي، والتي ليست من مشاهد الدنيا، بل من مشاهد يوم القيامة، جديرة بأن يشد الرسول انتباه أصحابه إليها، كما أنها جديرة بأن يسمى صاحبها: المفلس الحقيقي! وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة... إلخ) جملة خبرية مؤكدة بإن، وبالقصر، وطريقه هنا: هو تعريف الطرفين، فقد قصر صفة الإفلاس على من يأتي يوم القيامة ومعه صلاة وصيام وزكاة، ولكنه آذى عباد الله وظلمهم، وإنما أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الجملة، مع أن الصحابة لم يكونوا منكرين لإخبار النبي عن الله تعالى، إلا أنهم نزلوا منزلة المنكرين، لأن إجابتهم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت مؤكدة بتأكيدين هما: اسمية الجملة، والقصر بتعريف الطرفين في قولهم: ( المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع). المفلس يوم القيامة هو من يأتي بلا. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة) استعارة بالكناية، حيث شبه الصلاة والصيام والزكاة - وهي أمور معنوية - بأجسام محسوسة يحملها صاحبها يوم القيامة ثم حذفها ودل عليها بإثبات لازمها، وهو الإتيان بها. وفي قوله: ( وأكل مال هذا) استعارة تصريحية تبعية في الفعل، حيث شبه الاستيلاء على مال الغير بدون إذنه بطريق غير مشروع بالأكل، ثم استعار الأكل للاستيلاء، ثم اشتق من الأكل بمعنى الاستيلاء ( أكل) بمعنى: استولى على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل.
من المفلس؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إلى أصحابه بين لهم الحقائق، ويصحح لهم المفاهيم، ويلفت انتباههم إلى ما غاب عنهم أو التبس عليهم، وكثيرا ما كان يجلي لهم الفارق بين قوانين الدنيا وقوانين الآخرة، وبين موازين الله وموازين العباد. جلس معهم ذات يوم فسألهم "كما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة": [ أتدرون ما المفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا من لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ من أمَّتي، يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مالَ هذا، وسفك دمَ هذا، وضرب هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يقضيَ ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِح في النَّارِ](رواه مسلم). لقد حدثوه عن مفاليس أهل الدنيا، وحدثهم عن مفاليس يوم القيامة. حدثوه عن الإفلاس المؤقت، وحدثهم عن الإفلاس الدائم. حدثوه عن إفلاس قد يأتي بعده غنى ويستغني صاحبه بعده، وحدثهم عن إفلاس لا غنى بعده أبدا. من المفلس؟. حدثوه عن إفلاس ربما لا يضر بدين صاحبه، وحدثهم عن إفلاس يدخل صاحبه النار. طالب النجاة أولى:
إذا كان الإنسان في هذه الحياة يسعى ليجمع ثروة من المال يعيش بها في هناءة وسعادة، وتغنيه عن الحاجة للعباد، فإن طالب النجاة يوم القيامة أولى أن يسعى ليجمع ثروة من الحسنات؛ ينال بها سعادة الآخرة، ويفوز بها بالجنة { في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
وفى قوله: (وأكل مال هذا) استعارة تصريحية تبعية في الفعل. حيث شبه الاستيلاء على مال الغير دون إذنه بطريق غير مشروع بالأكل، ثم استعار الأكل للاستيلاء؛ ثم اشتق من الأكل بمعنى الاستيلاء (أكل) بمعنى: استولى على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية في الفعل. 4- وفي قوله: (وسفك دم هذا) كناية عن القتل؛ وإنما عبر عن القتل بسفك الدم؛ لإظهار مدى بشاعة ما يفعل القاتل بالمقتول. وإنما عرف المفعول باسم الإشارة في: (شتم هذا) و( قذف هذا) و(ضرب هذا) والمضاف إليه في (أكل مال هذا) و(سفك دم هذا) لتمييزه أكمل تمييز حتى كأنه يقف الآن طالباً حقه من ظالمه؛ ولا يبعد أن يكون الله تعالى أطلعه على هذه الصورة وهو يشرح للصحابة - رضوان الله عليهم - صورة المفلس الحقيقي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى! من البلاغة النبوية المفلس يوم القيامة. 5- وإنما حذف المسند إليه في (فيعطى هذا من حسناته) في (قبل أن يقضي ما عليه) وفي (أخذ من خطاياهم) في (فطرحت) وفي (ثم طرح في النار) للعلم به - وهم الملائكة الموكلون بذلك من قبل الله تعالى. حسن اسماعيل عبدالرازق
تابعوا فكر وفن من البيان عبر غوغل نيوز
من البلاغة النبوية المفلس يوم القيامة
حيث يأتى الرجل حاملاً صلاته، وصيامه، وزكاته؛ ظنَّاً منه أنها وحدها تدخله الجنة، وتبعده عن النار؛ فإذا بها كلها توزع على من أساء إليهم، وألحق الأذى بهم؛ بل إنها إن لم تكفهم لقضاء حقوقهم منه أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه؛ فألقي به في النار! هذه الصورة الرهيبة التي أطلع الله - تعالى - رسوله عليها من خلال الوحى؛ والتي ليست من مشاهد الدنيا، بل من مشاهد يوم القيامة، جديرة بأن يشد الرسول انتباه أصحابه إليها، كما أنها جديرة بأن يسمي صاحبها: المفلس الحقيقي! 2- وقوله - صلى الله عليه وسلم - (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة... إلخ) جملة خبرية مؤكدة بإن، وبالقصر؛ وطريقه هنا: هو تعريف الطرفين؛ فقد قصر صفة الإفلاس على من يأتي يوم القيامة ومعه صلاة وصيام وزكاة. (من المُفلِس). ولكنه آذى عباد الله وظلمهم، وإنما أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الجملة؛ مع أن الصحابة لم يكونوا منكرين لإخبار النبي عن الله تعالى، إلا أنهم نزلوا منزلة المنكرين؛ لأن إجابتهم على سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت مؤكدة بتأكيدين هما: اسمية الجملة، والقصر بتعريف الطرفين في قولهم: (المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع). 3- وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة) استعارة بالكناية؛ حيث شبه الصلاة والصيام والزكاة - وهي أمور معنوية - بأجسام محسوسة يحملها صاحبها يوم القيامة ثم حذفها ودل عليها بإثبات لازمها؛ وهو الإتيان بها.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا دِرْهَمَ له ولا متاع، فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وَقَذَفَ هذا، وأكل مال هذا، وسَفَكَ دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طرح في النار». من هو المفلس الحقيقي. [ صحيح. ] - [رواه مسلم. ] الشرح
يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة -رضوان الله عليهم- فيقول: أتدرون من المفلس؟ فأخبروه بما هو معروف بين الناس، فقالوا: هو الفقير الذي ليس عند نقود ولا متاع. فأخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المفلس من هذه الامة من يأتي يوم القيامة بحسنات عظيمة، وأعمال صالحات كثيرة من صلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وقذف هذا، وسفك دم هذا، والناس يريدون أن يأخذوا حقهم؛ فما لا يأخذونه في الدنيا يأخذونه في الآخرة، فيقتص لهم منه، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته بالعدل والقصاص بالحق، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.
[٨]
سبب نزول سورة التوبة ومناسبتها لما قبلها
نزلت سورة التوبة في السنة التاسعة من الهجرة، في شهر ذي الحجة أو ذي القِعدة، بعد غزوة تبوك وقبل لحوق رسول الله بالرّفيق الأعلى، وعلى وجه التفصيل؛ أرسل رسول الله أبا بكر ليحجّ بالنّاس في ذي القعدة، فنزلت السورة ونقضت العهود مع جميع المشركين الذين بدؤوا بنقض عهودهم مع المسلمين، فأرسل رسول الله علياً؛ ليقوم بتبليغ السورة للناس في يوم الحجِّ الأكبر، ففعل كما أمره رسول الله ثم قال: "لا يحجّ بعد العام مُشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". [٩]
وترتبط سورة التوبة مع سورة الأنفال الواقعة قبلها وكأنها تتمّة لها، حيث جاءت لتُكمّل ما جاء في سورة الأنفال من الأحكام والسياسات والقواعد داخل الدولة الإسلامية وخارجها، ومع المسلمين وغيرهم، وأحوال كل منهم، وسورة الأنفال فيها الحثّ على الالتزام بالمواثيق، وفي سورة التوبة ذمّ نقضها، وتشترك السورتان في إبعاد المشركين عن المسجد الحرام ، والحثّ على الإنفاق في سبيل الله -تعالى-، كما جاء البيان والتوضيح في السورتين عن صفات المنافقين وأحوالهم.
بحث عن سورة الانفال .. سبب تسمية سورة الأنفال - Eqrae
[9] المرجع السابق. [10] أسباب النزول - السيوطي، تحقيق: حامد أحمد الطاهر، مكتبة الثقافة الدينية، ص 190، والحديث أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن صحيح. [11] السابق، ص 191. [12] السابق، ص 285. [13] السابق، ص 285. [14] النظم الفني في القرآن، مكتبة الآداب ص 121.
حول سورة الأنفال والتعريف بها
*وصف حال الكفار بالدواب التي لا تسمع ولا تعقل، { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} (الأنفال:22)، فوصفهم بتعطيل مشاعرهم ومداركهم الحسية والعقلية، ووصفهم في آية أخرى بعدم الإيمان: { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون} (الأنفال:55). * تقرير العديد من قضايا عالم الغيب، كالبعث والجزاء والملائكة والشياطين؛ فقد ذُكِرَ جزاء المؤمنين، وجزاء الكافرين، وجزاء الفاسقين المرتكبين لكبائر الإثم والفواحش. وذُكِرَ إمداد المؤمنين بالملائكة يثبتونهم في المعركة. وذُكِرَ إذهاب رجز الشيطان ووسوسته عن المؤمنين. * فضح موقف الذين كفروا، الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، وبيان عاقبة بذلهم للمال في مقاومة الإسلام، أنهم يغلبون في الدنيا، ثم يصيرون في الآخرة إلى عذاب النار. بحث عن سورة الانفال .. سبب تسمية سورة الأنفال - Eqrae. * تحذير المؤمنين من سلوك مسلك الكافرين، وهو مسلك البطر وإظهار الكبرياء والعظمة ومراءاة الناس، وهي مقاصد سافلة إفسادية، لا تليق بصفات المؤمنين، الذين إنما يقاتلون لإعلاء كلمة الله، وتقرير الفضيلة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. * تقرير سُنَّة من سنن النفس، وهي تفاوت البشر في الاستعداد للإيمان والكفر، وفي الاستعداد للخير والشر، وبيان أن جزاء الله تعالى لهم على أعمالهم في الدنيا والآخرة، إنما يجري بمقتضى هذا التفاوت.
وسورة الأنفال في المنام قد تدل على الحسابات السليمة والتقارير الحسابية والمالية المنضبطة البعيدة عن التلاعب. وقد تدل سورة الأنفال على المسلم الأمين الذي يتقي الله (تعالى) فيما تحت مسؤوليته أو إدارته من مال وممتلكات. (لأن الله تعالى جعل الأنفال لله وللرسول في قوله سبحانه: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال:1]، وليس أحفظ ولا آمن من النبي ﷺ على المال والممتلكات، فكانت السورة الكريمة في الرؤيا مثلًا لحفظ المال والأملاك والأمانة وتقوى الله عز وجل). وقد تدل سورة الأنفال في المنام على التسوق الحلال. (لأن كلاهما منافع مجلوبة [راجع قاعدة تعبير الرؤيا بالتشابه]). وقد تدل سورة الأنفال في المنام على الاستيراد وتوريد البضائع. (لأن الاستيراد كالغنائم في كونهما منافع مجلوبة من خارج القوم [راجع قاعدة تعبير الرؤيا بالتشابه]). وقد تدل سورة الأنفال في المنام على صفقة تجارية ناجحة أو مكسب ربحي يعود على المسلم من عمل أو نشاط أو بيع حلال. (لأن الأنفال مكسب حلال ومنافع مادية [راجع قاعدة تعبير الرؤيا بالتشابه]). وقد تدل سورة الأنفال في المنام على فرصة طيبة للعمل والكسب والارتزاق.