هماز مشاء بنميم و ويل لكل همزة لمزة. قال ابن عطية: ما ثبت قط أن الأخنس أسلم. تفسير: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ...). وقال ابن عباس: ( نزلت في قوم من المنافقين تكلموا في الذين قتلوا في غزوة الرجيع: عاصم بن ثابت ، وخبيب ، وغيرهم ، وقالوا: ويح هؤلاء القوم ، لا هم قعدوا في بيوتهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم) ، فنزلت هذه الآية في صفات المنافقين ، ثم ذكر المستشهدين في غزوة الرجيع في قوله: ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله. وقال قتادة ومجاهد وجماعة من العلماء: نزلت في كل مبطن كفرا أو نفاقا أو كذبا أو إضرارا ، وهو يظهر بلسانه خلاف ذلك ، فهي عامة ، وهي تشبه ما ورد في الترمذي أن في بعض كتب الله تعالى: إن من عباد الله قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ، يشترون الدنيا بالدين ، يقول الله تعالى: أبي يغترون ، وعلي يجترئون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا. ومعنى ويشهد الله أي يقول: الله يعلم أني أقول حقا. وقرأ ابن محيصن ويشهد الله على ما في قلبه بفتح الياء والهاء في " يشهد " ، " الله " بالرفع ، والمعنى يعجبك قوله ، والله يعلم منه خلاف ما قال. دليله قوله: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.
إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام "- الجزء رقم1
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي ، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك. وعن ابن عباس: أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم ، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه: ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم. وهذا قول قتادة ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، وغير واحد ، وهو الصحيح. وقال ابن جرير: حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن القرظي ، عن نوف وهو البكالي ، وكان ممن يقرأ الكتب قال: إني لأجد صفة ناس من هذه الأمة في كتاب الله المنزل: قوم يحتالون على الدنيا بالدين ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر ، يلبسون للناس مسوك الضأن ، وقلوبهم قلوب الذئاب. إسلام ويب - تفسير البغوي - سورة البقرة - تفسير قوله تعالى " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام "- الجزء رقم1. يقول الله تعالى: فعلي يجترئون! وبي يغترون! حلفت بنفسي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم فيها حيران.
تفسير: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ...)
وتميز جعفر الصادق برجاحة عقل وعلم غزير؛ ما مكنّه من الإجابات المقنعة لسائليه، ومن بين تلك المواقف، أن رجلاً سأله "لِما صار الشعر والخطب يملّ منها متى أعيدت والقرآن لا؟"، ليجيب عنه الصادق، قائلاً "لأن القرآن حجة على أهل العصر الثاني، كما هو حجة على أهل العصر الأول، وكل طائفة تراه عصراً جديداً، ولأن كل امرئ متى أعاده وفكّر فيه؛ تلقّى منع علوماً غضة، وليس هذا موجوداً في الشعر والخطب"، بحسب ما ذكره المفكر الإسلامي عبدالحليم الجندي، في كتابه "الإمام جعفر الصادق" الصادر عن "دار المعارف". وحرص جعفر الصادق على أن ينال ابنه (موسى) من علمه؛ لذلك أسدى له بعض من النصائح التي تناولت أمور الحياة، وقال له: "يا بني اقبل وصيتي، واحفظ مقالتي؛ فإنك إن حفظتها تعش سعيداً، وتمت حميداً، يا بني إنه من قنع بما قسم الله؛ استغنى، ومن من عينه لما في يد غيره؛ مات فقيراً.. ومن استصغر زلة (خطأ) نفسه؛ استعظم زلة غيره.. ومن سل يسف البغي؛ قتل به، ومن احتفر لأخيه بئر؛ سقط فيها". وعن تسليمه لأمر الله وقضائه، الذي نتج عن تأمله لبعض من آيات القرآن الكريم، روي عنه أنه قال "عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع: عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فإني سمعت الله جل جلاله يقول بعقبها: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء)، وعجبت لمن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها: (فاستجبنا له ونجَّيْنَاهُ من الغمّ وكذلك ننجي المؤمنين).
وقراءة ابن عباس: " والله يشهد على ما في قلبه ". وقراءة الجماعة أبلغ في الذم ؛ لأنه قوي على نفسه التزام الكلام الحسن ، ثم ظهر من باطنه خلافه. وقرأ أبي وابن مسعود: " ويستشهد الله على ما في قلبه " وهي حجة لقراءة الجماعة. الثانية: قال علماؤنا: وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا ، واستبراء أحوال الشهود والقضاة ، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم ؛ لأن الله تعالى بين أحوال الناس ، وأن منهم من يظهر قولا جميلا وهو ينوي قبيحا. فإن قيل: هذا يعارضه قوله عليه السلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث ، وقوله: فأقضي له على نحو ما أسمع ، فالجواب أن هذا كان في صدر الإسلام ، حيث كان إسلامهم سلامتهم ، وأما وقد عم الفساد فلا ، قاله ابن العربي. قلت: والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلافه ، لقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صحيح البخاري: أيها الناس ، إن الوحي قد انقطع ، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم ، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه ، وليس لنا من سريرته شيء ، الله يحاسبه في سريرته ، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه ، وإن قال إن سريرته حسنة.