فتبدو دعوة المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مشاركتهم عبادة آلهتهم في مقابل أن يشاركوه عبادة إلهه! تبدو هذه الدعوة مستغربة، والله هو خالق كل شيء، وهو المتصرف في ملكوت السماوات والأرض بلا شريك. فأنى يعبد معه غيره، وله وحده مقاليد السماوات والأرض؟! وما قدروا الله حق قدره وهم يشركون به وهو وحده المعبود القادر القاهر والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه.. وبمناسبة تصوير هذه الحقيقة على هذا النحو يوم القيامة يعرض مشهدا فريدا من مشاهد القيامة، ينتهي بموقف الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم، وينطق الوجود كله بحمده: وقيل الحمد لله رب العالمين.. الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل - YouTube. فتكون هذه هي كلمة الفصل في حقيقة التوحيد. [ ص: 3061] الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل. له مقاليد السماوات والأرض. والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون..
إنها الحقيقة التي ينطق بها كل شيء. فما يملك أحد أن يدعي أنه خلق شيئا. وما يملك عقل أن يزعم أن هذا الوجود وجد من غير مبدع. وكل ما فيه ينطق بالقصد والتدبير; وليس أمر من أموره متروكا لقى أو للمصادفة من الصغير إلى الكبير: وهو على كل شيء وكيل.. وإلى الله قياد السماوات والأرض.
- الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل - YouTube
- الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل
الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل - Youtube
ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين..
فالموقف موقف إذعان وتسليم. لا موقف مخاصمة ولا مجادلة. وهم مقرون مستسلمون! قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها. فبئس مثوى المتكبرين! ذلك ركب جهنم ركب المتكبرين. فكيف ركب الجنة؟ ركب المتقين؟ [ ص: 3063] وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا. حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها. وقال لهم خزنتها: سلام عليكم. طبتم. فادخلوها خالدين..
فهو الاستقبال الطيب. والثناء المستحب. وبيان السبب. طبتم وتطهرتم. كنتم طيبين. الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل. وجئتم طيبين. فما يكون فيها إلا الطيب. وما يدخلها إلا الطيبون. وهو الخلود في ذلك النعيم..
هنا تهينم أصوات أهل الجنة بالتسبيح والتحميد: وقالوا: الحمد لله. الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوأ من الجنة حيث نشاء. فهذه هي الأرض لتي تستحق أن تورث. وهم يسكنون فيها حيث شاءوا، وينالون منها الذي يريدون. فنعم أجر العاملين..
ثم يختم المشهد بما يغمر النفس بالروعة والرهبة والجلال، وما يتسق مع جو المشهد كله وظله، وما يختم سورة التوحيد أنسب ختام; والوجود كله يتجه إلى ربه بالحمد; في خشوع واستسلام. وكلمة الحمد ينطق بها كل حي وكل موجود في استسلام: وترى الملائكة حافين من حول العرش، يسبحون بحمد ربهم، وقضي بينهم بالحق، وقيل: الحمد لله رب العالمين..
الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل
ثم قال تعالى: ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صريح الآية يقتضي أنه لا خاسر إلا كافر ، وهذا يدل على أن كل من لم يكن كافرا فإنه لا بد وأن يحصل له حظ من رحمة الله. المسألة الثانية: أورد صاحب "الكشاف" سؤالا ، وهو أنه بم اتصل قوله: ( والذين كفروا) ؟ وأجاب عنه بأنه اتصل بقوله تعالى: ( وينجي الله الذين اتقوا) [الزمر: 61] أي ينجي الله المتقين بمفازتهم ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) واعترض ما بينهما أنه خالق للأشياء كلها ، وأن ( له مقاليد السماوات والأرض). وأقول: هذا عندي ضعيف من وجهين; الأول: أن وقوع الفاصل الكبير بين المعطوف والمعطوف عليه بعيد. الثاني: أن قوله: ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم) جملة فعلية ، وقوله: ( والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) جملة اسمية ، وعطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية لا يجوز ، بل الأقرب عندي أن يقال: إنه لما وصف الله تعالى نفسه بالصفات الإلهية والجلالية ، وهو كونه خالقا للأشياء كلها ، وكونه مالكا لمقاليد [ ص: 12] السماوات والأرض بأسرها ، قال بعده: ( والذين كفروا) بهذه الآيات الظاهرة الباهرة ( أولئك هم الخاسرون).
الفبائية > "س" > "سورة" > 0039 - "سورة الزمر" > سورة الزمر آية 0062 >