قلنا في الحلقة السابقة إن التخلف الحضاري في العالم الإسلامي وراءه كم هائل من الأسباب أبرزها خمسة أسباب تحدثنا عن اثنين منها هما: إهمال العلم والحضارة، والاهتمام بالشكل الحضاري بعيداً عن الجوهر. وفي هذه الحلقة نتناول الأسباب الثلاثة المتبقية. نتج عن التوجهات البعيدة عن مقاصد الدين الحقيقية ظهور الكثير من أشكال التشدد والتطرف في فهم الدين وتعاليمه. وأصبح التشدد في أمور الدين، وبصفة خاصة في الأمور الهامشية، علامة واضحة على التدين. وقد ترتب على هذا التشدد في أمور الدين على هذا النحو تحول سلبي في السلوك، حيث حلت الفظاظة والغلظة والعنف في التعامل محل الرحمة التي هي السمة الأساسية للإسلام. وانتشرت تهم الكفر والتحلل من الدين ضد من يعتقد أنهم متساهلون في أمور الدين، أو من لهم وجهة نظر مخالفة لهؤلاء المتشددين. وافتقدنا التسامح الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية. شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه - الإسلام سؤال وجواب. وقد نسي هؤلاء المتشددون، والمشددون على أنفسهم وعلى الآخرين، أن الإسلام دين يسر لا عسر، وأن الله سبحانه يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، كما جاء في قوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وأن الله وحده هو الذي سوف يفصل بين الناس يوم القيامة، كما نسي هؤلاء أن الله سبحانه وتعالى الذي وسعت رحمته كل شيء فتح باب الأمل على مصراعيه أمام كل الناس في قوله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم.
- شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه - الإسلام سؤال وجواب
شرح حديث لا يشاد الدين أحد إلا غلبه - الإسلام سؤال وجواب
فـ"هذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها، فهي ميسرة لا عسر فيها، وهي توحي للقلب الذي يتذوقها، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها، وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد. سماحة تؤدى معها كل التكاليف، وكل الفرائض، وكل نشاط الحياة الجادة، وكأنما هي مسيل الماء الجاري، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء، مع الشعور الدائم برحمة اللّه وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين"(3). لكن إشكالاً حصل لدى البعض ففهم اليسر على غير حقيقته، مما دفعه إلى إهمال الكثير من الأحكام والأوامر الشرعية طلباً لليسر؛ بل رأينا من يدعو الناس إلى ترك كثير من الأوامر الإلهية بحجة التيسير والتخفيف عن الناس، مدعياً أن العبرة بأعمال القلوب لا الأبدان، وإصلاح النوايا لا أداء الفرائض والسُنن، حتى صارت قاعدة التيسير عند البعض ذريعة للتفريط والتقصير، بل الانسلاخ من دين الله بالكليّة.
ثانيًا: ضوابط تجاه المسلمين: أ- عدم مجاهرتهم بمنكرهم: الإسلام دين سماحة وحرية وتيسير، فلا يقبل أن يكون هذا التسامح والتيسير ضارًّا بدعوته؛ كل ذلك حفاظًا على أهل ملَّته، ورِفعة لمنهجه، فلو أظهر أحد أهل الذمة شيئًا من منكراتهم بين المسلمين، لعُدَّ ذلك استخفافًا بالمسلمين ودينهم، أما ما يعتقدون حُرمته، وهو حرام في ديننا، فإنهم يمنعون منه حتى في أماكنهم الخاصة كتحريم الربا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ﴾ «النساء: 161». ويلحق بذلك ما يراه المسلمون منكرًا ويرونه أمرًا تعبُّديًّا، فلربما يتأثر بهذه المجاهرة بعض المسلمين، خاصةً ضعيفي العلم والتديُّن، أو على الأقل زعزعة ما لديهم من مبادئ وثوابت. ب- اجتناب ما فيه ضرر على المسلمين: سواء كان ضررًا أمنيًّا - فالذي يجب على الذمي أن يبتعد عن كل ما يضر بالأمور الأمنية للمسلمين الذين منحوا أهل الذمة الجوار، وقاموا بما يجب عليهم في هذا الجوار من التعامل الحسن - أم من الأضرار الأخرى، فلا يتعدَّى أحد منهم على مسلم ولا العكس، وعدَّ بعضُ أهل العلم الضرر في غش المسلمين، وفتنة المسلم عن دينه، والإيذاء البدني والمالي لأي مسلم، والإيذاء النفسي - كسخرية أو سبٍّ، أو قذفٍ أو إهانة، وأيضًا التعدي على نساء المسلمين بزنا أو قذفٍ - فهذه الأمور كلها واضح ضررها على المسلم.