والله أعلم.
المقصود بقوله تعالى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا
القسم الرابع: ﴿ وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ﴾ [الشورى: 50]: لا يولَد له لا ذَكَرٌ ولا أنثى؛ لأن الله سبحانه وتعالى له ملك السموات والأرض، يخلق ما يشاء، لا معقب لحكمه وهو السميع العليم. يقول جلَّ ذِكرُه: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ﴾ [الحجرات: 13]، الشعوب: الطوائف الكبيرة؛ كالعرب والعجم وما أشبه ذلك، والقبائل: ما دون ذلك، جمع قبيلة، فالناس بنو آدم شعوب وقبائل. تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا - موقع المرجع. شعوب: أُممٌ عظيمة كبيرة، كما تقول: العرب بجميع أصنافهم، والعجم بجميع أصنافهم، كذلك القبائل دون ذلك، كما تقول: قريش، بنو تميم، وما أشبه ذلك، هؤلاء القبائل. ﴿ لِتَعَارَفُوا ﴾: هذه هي الحكمة من أن الله جعَلَنا شعوبًا وقبائل؛ من أجل أن يَعرِف بعضنا بعضًا، هذا عربيٌّ، وهذا عجمي، هذا من بني تميم، هذا من قريش، هذا من خزاعة، وهكذا. فالله جعل هذه القبائلَ من أجل أن يَعرِفَ بعضنا بعضًا، لا من أجل أن يفخر بعضنا على بعض، فيقول: أنا عربي وأنت عجمي، أنا قبيلي وأنت خضيري، أنا غنيٌّ وأنت فقير، هذا من دعوى الجاهلية والعياذ بالله، لم يجعل الله هؤلاء الأصناف إلا من أجل التعارف، لا من أجل التفاخر؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الله أذهَبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقيٌّ، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدمُ من تراب)).
تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا - موقع المرجع
[٣] تأتي هذه الآية لتبين أن هذا العالم له فكرته الكاملة عن وحدة الإنسانية مهما تعددت الشعوب والأجناس، وله ميزان واحد لتقييم الجميع؛ وهو التقوى، ميزانٌ مبرأٌ من شوائب الهوى، فلا فضل للشمال على الجنوب ولا الشرق على الغرب مما يصنف به الناس بعضهم. [٤]
موعظة في سياق الآية
عن ابن عمر -رضي الله عنه-: (أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ خطبَ النَّاسَ يومَ فتحِ مَكَّةَ، فقالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها، فالنَّاسُ رجلانِ: برٌّ تقيٌّ كريمٌ على اللَّهِ، وفاجرٌ شقيٌّ هيِّنٌ على اللَّهِ، والنَّاسُ بنو آدمَ، وخلقَ اللَّهُ آدمَ من الترابِ، قالَ اللَّهُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا…). [٥] وفي هذا الحديث يخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناس أن الله أذهب عنهم كبر الجاهلية وتفاخرها بآبائها، فالناس قسمان: [٦]
برٌ تقيٌ، مؤمنٌ بالله -تعالى-، وهذا كريمٌ على الله -تعالى- وإن لم يكن ذا حسبٍ ولا نسب. انا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. فاجرٌ شقيٌ، لا يؤمن بالله -تعالى-، وهذا هين على الله -تعالى- وإن كان ذا حسب ونسب.
إنَّ تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا من أهم التفسيرات التي يجب على كل مسلم أن يطلع عليها ويعرف معناها ومضمونها والمقصود فيها، فهذه الآية الكريمة توضح قضية اجتماعية تتعلق بالعلاقات العامة بين الشعوب على هذه الأرض، ولهذا يهتمُّ موقع المرجع في الحديث عن هذه الآية الكريمة وتفسيرها عند كلِّ من السعدي والطبري، إضافة إلى الحديث عن سبب نزولها الوارد في علم أسباب النزول، وأهمية الأخوة الإنسانية ونبذ العنصرية في الإسلام. وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في أي سورة
قبل الشروع في تفسير اية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، لا بدَّ من القول تقع آية وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا في سورة الحجرات، حيث يقول الله -سبحانه وتعالى- في هذه السورة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [1] وفيما يأتي سوف نسلط الضوء على تفسير هذه الآية الكريمة.
السائل: يقول ما معنى الحديث النبوي الشريف: ( إذا أتاكم من ترضون عنه دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).
إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
= قول الترمذي: حديثٌ حسن غريب ؛ يعني أنه حسن لذاته ، وقوله: حديثٌ حسن فقط يعني أنه حديث حسن لغيره ؛ خلاف ما تراه أنت ، وأنا كنت أظن أنك ستجيبني على الصواب حينما تقول: قول الترمذي: حديث حسن يعني حسن لغيره ، سألتك هذا السؤال لأبنِيَ عليه شيئًا يتيسَّر لك أن تفهم الصواب ، لكن هدمتَ ما بنيتُه في فكري ؛ لقولك الخطأ أنُّو حديث حسن يعني الترمذي حسن لذاته ، خطأ ، هو يعني حسن لغيره.
إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه
عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ، فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟
قَالَ: "إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. الناس في نظر الإسلام سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (سورة الحجرات: 13). وعلى هذه القاعدة جرت أحكام الشريعة كلها، فميزان العدل فيها أن يعطي المرء من الحقوق مثل ما عليه من الواجبات، بغض النظر عن نسبه وحسبه وماله، وما إلى ذلك مما يتفاخر الناس به. وإن كان هناك فضل لأحد على أحد فإنما هو بالتقوى والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك النبيل. وهذه الوصية تبصر الناس بهذه الحقيقة الهامة وترشدهم إلى تطبيقها في أهم أمر من أمورهم وهو النكاح؛ فالنكاح هو الذي تحفظ به الأنساب وتتوثق به الروابط بين الأفراد والأسر والمجتمعات حتى ينصهر بعضهم في بعض.
من جاءكم ترضون دينه وخلقه
[٧] ذلك أن اشتراط تزويج البنات للغني، وصاحب النسب والجاه، قد يبقي أغلب النساء بلا أزواج، وأغلب الرجال بلا زوجات، فتنتشر الفتنة بانتشار الزنا، ذلك أن سبيل قضاء الوطر بالطريق المشروعة قد تعذر، لمن لا مال له ولا نسباً أو جاهاً. [٧] ومن صور انتشار الفساد في المجتمع، أي الفساد المترتب على عدم التقيد بالمنهج الشرعي في قبول الزوج: العار الذي قد يلحق الأولياء، ما يؤدي إلى قتل البنات تارة، وإلى التيه في الأرض هرباً من العار، ويشار إلى أن جمهور العلماء اشترط في قبول الزوج أربعة أمور هي: الدين والحرية والنسب والمهنة، فلا بد من مراعاة التكافؤ في هذه الأربع، لقبول الزواج. [٧]
المراجع ↑ رواه الترمذي ، في سنن الترمذي، عن أبي حاتم المزني ، الصفحة أو الرقم:1085 ، حسن غريب. ↑ بشار معروف، السيد النوري، محمد المسلمي، وآخرون، المسند المصنف المعلل ، صفحة 47. بتصرّف. ↑ محمد الترمذي، سنن الترمذي ، صفحة 381. بتصرّف. إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ | موقع نصرة محمد رسول الله. ↑ محمد الشوكاني، نيل الأوطار ، صفحة 153. بتصرّف. ↑ محمد الجوابي، المجتمع والأسرة في الإسلام ، صفحة 98. بتصرّف. ↑ محمد الوَلَّوِي، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى ، صفحة 76. بتصرّف. ^ أ ب ت علي القاري ، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ، صفحة 2047.
من جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
يروي أحد الذين شاركوا في عملية التعداد السكاني أنه أثناء عملية التعداد ذهبنا إلى بيوت كثيرة، ووجدنا في بعض هذه البيوت غرائب وأعاجيب: امرأة في الثلاثين، وأخرى في الأربعين، وثالثة في الستين، وكلهن من غير زواج. ويقول آخر: ذهبنا إلى بيت فوجدنا فيه خمس عوانس أعمارهن من الثلاثين إلى الخامسة والأربعين. ويقول شيخ كبير تجاوز السبعين من عمره، وعمله تأجير البيوت: دخلنا بيوتاً فيها نساء أبكار في الستين والسبعين يشتمن المجتمع والأقارب، ويلعنّ من كان السبب في بقائهن عوانس إلى هذا السن، إذ لا يجدن مَن يقدم لهن الطعام والشراب، ولا من يناولهن الدواء، ولا يستطعن قضاء حوائجهن بسهولة ويسر، الآباء غير موجودين، وإن وجدوا فهم كبار يحتاجون إلى مَن يخدمهم، والإخوة مشغولون بأنفسهم وبيوتهم وأعمالهم وأولادهم، والأخوات كذلك. وطبيبة تصرخ وتقول: خذوا شهاداتي وأعطوني زوجاً! تقول: الساعة السابعة من صباح كل يومٍ وقتٌ يستفزني، يستمطر أدمعي، لماذا؟! ما صحة حديث "إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه .." ؟ - YouTube. أركب خلف السائق متوجهة إلى عيادتي، بل إلى مدفني، بل زنزانتي. ثم تقول: أجد النساء بأطفالهم ينتظرنني، وينظرن إلى معطفي الأبيض وكأنه بردةُ حريرٍ فارسية، وهو في نظري لباس حدادٍ عليّ.
ولا يتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كذلك ـ عن سيء الأخلاق ـ وحسب ـ بل يتحدث عليه السلام عن مستوى آخر هو مستوى الطباع التي تدور في دائرة المباح، أو إن أحببت تدور في دائرة اختلاف الـتـقدير، فلا يكون صاحبها سيء الأخلاق بالمعنى المعروف لسوء الأخلاق. قـد يكون أحدهم متديناً، ولكن فيه من الطباع والأخلاق ما لا يرضي، ولذلك فإن التدين وحده لا يكفي، لأن تقوى المرء لنفسه، وأنت تحتاج من تقواه ما له علاقة بالعلاقة. قال الجنيد رحمه الله: "لأن يصحبني فاسق حسن الخلق، أحب إليَّ من أن يصحبني قارئ سيء الخلق". وقد يكون هذا المتدين أحمقاً ـ وما أكثرهم هذه الأيام ـ غير عاقل، والعاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه، إما بنفسه وإما إذا فُهِّم. فإن كان كذلك فلا أحد يدعوك لتورط نفسك معه، وقد قال الثوري رحمه الله عن هذه المخلوقات: "النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتوبة". وقالوا: مقاطعة الأحمق قربان إلى الله. ومن عادة أحد المشايخ الأذكياء ـ عملة نادرة ـ أن يقول بحسرة كلما ابتلي بأحدهم: "صحبة من لا يفهم توقع في الشرك بالله"، فأقول له وأزيدك: وتُقصِّر العمر. من جاءكم ترضون دينه وخلقه. هناك ثلاثة أمور تحدد المسافة بين اثنين، وهي متضمنة في الحديث:
أولها: التجانس.