كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ
( الجزء الأول)
حديثي موجه بالمقام الأول لأصحاب الالتزام العاملين في حقل الدعوة ، وثانياً هو عام لكل مسلم ومسلمة. حيث أن الكثير منا يخطئ أحياناً في فهم فلسفة الإسلام ، وتقديم الأولويات التي يريدها الإسلام منّا ، فتجد الجدول اليومي لأحدهم زاخراً من قبل صلاة الفجر أو بعدها حتى منتصف الليل – في برنامج دعوي – يزور الأول زيارة محبة ، وثان زيارة دعوية ، وثالث زيارة أخوية ، ورابع وخامس …. وهو مدعو اليوم لعشاء عمل في منطقة كذا. … أو في مسجد كذا…..
وهذا لا عيب فيه – بل له من خلال ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل- ما لم يتعدَ ذلك على حقوق أهل البيت المطلوبة منه أن يؤديها لهم. حديث «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت. ألم يسمع أحدنا بالحديث الذي رواه البخاري عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ( آخَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ ؟. قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ: كُلْ.
حديث «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» - الموقع الرسمي للشيخ أ. د. خالد السبت
الحمد لله. لا شك أن سبب هذه المشكلة وما شاكلها ، الجهل بكثير من أحكام الشرع ، وعدم فقه المرء ما يلزمه تجاه من يعول ، وما أوجبه الله تعالى عليه من الحقوق والواجبات نحو أسرته. وإن من أعظم حقوق الزوجة والأولاد النفقة عليهم ، بل إن من أعظم القرب والطاعات التي يعملها العبد ، والنفقة تشمل: الطعام والشراب والملبس والمسكن ، وسائر ما تحتاج إليه الزوجة والأولاد لإقامة المهجة ، وقوام البدن. وقد أخبر الله عز وجل أن الرجال هم المنفقون على النساء ، ولذلك كانت لهم القوامة والفضل عليهن بسبب الإنفاق عليهن بالمهر والنفقة ، فقال تبارك وتعالى: ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) ، وقد دل على وجوب هذه النفقة: الكتاب والسنة الصحيحة وإجماع أهل العلم والمعقول. أما أدلة الكتاب: فمنها قوله تعالى: ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً) ، ومنها قوله تعالى: ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها) ، ومنها قوله تعالى: ( وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن). وأما أدلة السنة ، فقد وردت أحاديث كثيرة تفيد وجوب نفقة الزوج على أهله وعياله ، ومن تحت ولايته ، كما ثبت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع: " اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن ، وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم 8/183.
الوجه الثاني: كونه لا يجد النفقة ولم يتصرف معهم تصرف المعذور المعسر، وإذا كان الأمر كذلك، إذاً: من وجبت نفقة إنسان عليه فعليه أن يبادر وأن يقدم له ما يعوله، وهل يدفع له نفقته يومياً أو إسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً؟ كل ذلك بحسب الاتفاق، وإن تنازعوا فيوم بيوم؛ لأن كل يوم له نفقة مستقلة.