وما ذلك على الله بعزيز ، أن ليس ذلك الإنشاء الثاني بعزيز، أي متعذر أو متعسر عليه سبحانه، فهو سبحانه وتعالى قادر بذاته، لا يختص بابتداء ولا إنشاء من جديد، فالقدرة ثابتة، ومتى يثبت لا يعز شيء عليه ولا يصعب. وفي هذا الكلام بيان أن الله سبحانه وتعالى قادر على الإعادة، لأنه قادر على الإنشاء من جديد، كما قال سبحانه: إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد
وكما قال تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير
وكما قال تعالى: أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم
وإن الآية تفيد بإشارتها ترهيب المشركين بأنهم لا يعجزون الله، فإنه يستطيع إهلاكهم، وخلق غيرهم. وإنهم في قبضة الله في الدنيا، وجزاؤهم عنده في الآخرة، وهو يتولى الجزاء بالإحسان لمن أحسن وبالعذاب لمن عصى.
وقوله- تعالى-: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ. وقوله- تعالى-: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً. ﴿ تفسير ابن كثير ﴾
وقوله " وما ذلك على الله بعزيز " أي: بعظيم ولا ممتنع ، بل هو سهل عليه إذا خالفتم أمره ، أن يذهبكم ويأتي بآخرين على غير صفتكم ، كما قال تعالى: ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز) [ فاطر: 15 - 17] وقال: ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [ محمد: 38] ، وقال: ( ياأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) [ المائدة: 54] وقال: ( إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين وكان الله على ذلك قديرا) [ النساء: 133]. ﴿ تفسير القرطبي ﴾
وما ذلك على الله بعزيز أي منيع متعذر
﴿ تفسير الطبري ﴾
( وما ذلك على الله بعزيز) ، يقول: وما إذهابكم وإفناؤكم وإنشاء خلقٍ آخر سواكم مكانَكُم ، على الله بممتنع ولا متعذّر ، لأنه القادر على ما يشاء. (3)* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله: ( ألم تر أن الله خلق).
[فاطر: 17] وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ
الجلالين
الطبري
ابن كثير
القرطبي
البيضاوي
البغوي
فتح القدير
السيوطي
En1
En2
17 - (وما ذلك على الله بعزيز) شديد
وقوله " وما ذلك على الله بعزيز " يقول: وما إذهابكم والإتيان بخلق سواكم على الله بشديد، بل ذلك عليه يسير سهل، يقول: فاتقوا الله أيها الناس، وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك.
" وما ذلك على الله بعزيز " أي ممتنع عسير متعذر. وقد مضى هذا في (( إبراهيم)). يخبر تعالى بغناه عما سواه, وبافتقار المخلوقات كلها وتذللها بين يديه, فقال تعالى: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله " أي هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات, وهو تعالى الغني عنهم بالذات, ولهذا قال عز وجل: "والله هو الغني الحميد" أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له, وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله ويقدره ويشرعه. وقوله تعالى: "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد" أي لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم, وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع, ولهذا قال تعالى: "وما ذلك على الله بعزيز". وقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" أي يوم القيامة "وإن تدع مثقلة إلى حملها" أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تساعد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه "لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى" أي وإن كان قريباً إليها حتى ولو كان أباها أو ابنها, كل مشغول بنفسه وحاله.
فجاء هنا بضمير الغائب (هو) لأن الهداية والإطعام والسُّقْيا والشفاء من المرض كلها مظنة أنْ يشاركه فيها أحد من الخَلْق، أما في الحديث عن الموت فقال: { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 81] ولم يأتِ هنا بضمير الغائب؛ لأن الموت والإحياء لله وحده، ولا شبهةَ فيهما، ولم يدَّعهِما أحد لنفسه. ثم يقول الحق سبحانه: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ إِنَّمَا تُنذِرُ... }.
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (خَلَقَ) على " فعَل ". * * *وقرأته عامة قرأة أهل الكوفة: " خَالِقُ" ، على " فاعل ". * * *وهما قراءتان مستفيضتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما أئمة من القرأة ، متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ. -----------------------الهوامش:(3) انظر تفسير " عزيز " فيما سلف: 511 ، تعليق: 4 ، والمراجع هناك.
توفي (رحمه الله) سنة عشرين ومائتين. إسناد رواية خلَّاد:
قرأ خلَّاد على أبي عيسى سليم بن عيسى بن سليم بن عامر بن غالب الحنفي مولاهم الكوفي، وقرأ سليم على إمام الكوفة أبي عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات. طرق خلَّاد:
له عدة طرق في روايته عن حمزة وأشهرها أربعة: الأول: طريق ابن شاذان [9] ، والثاني: طريق ابن الهيثم [10] ، والثالث: طريق الوزان [11] ، والرابع: طريق الطلحي [12]). ترجمة حمزة بن حبيب الزيات الكوفي وراوييه. ولكل طريق عدة طرق مجموع طرق خلَّاد ثمان وستون طريقاً من الأربعة. [1] ينظر: غاية النهاية ص 208 رقم الترجمة (1143). [2] تراجع ترجمته مفصلة في قرائته باختياره لاحقاً (القارئ العاشر). [3] هو: أبو الحسن إدريس بن عبد الكريم الحداد، كان إماماً ضابطاً متقناً ثقة روى عن خلف روايته واختياره، وسئل عنه الدار قطني فقال: (ثقة وفوق الثقة بدرجة) ، توفي سنة (292 هـ) عن ثلاث وتسعين سنة. ينظر: النشر 1/ 134. [4] هو: أبو الحسين أحمد بن عثمان بن محمد بن جعفر بن بويان البغدادي، كان ثقة كبيراً مشهوراً ضابطاً، ولد سنة ستين ومائتين، قرأ على ادريس بن عبدالكريم وأحمد بن الأشعث ومحمد بن أحمد بن واصل وأبي عيسى موسى بن إبراهيم الزينبي والحسن ابن العباس بن أبي مهران الجمال وأحمد بن محمد بن رستم.
عمارة بن حمزة تكين تويتر
كان حمزة إمام الناس في القراءة بالكوفة بعد عاصم والأعمش ، وكان ثقة حجة ، قيماً بكتاب الله تعالى وقال عنه سفيان الثوري: ما قرأ حمزة حرفاً من كتاب الله إلا بأثر. وروى عن حمزة أنه كان يقول لمن يبالغ في المد وتحقيق الهمز لا تفعل. كان شيخه الأعمش إذا رآه مقبلاً يقول: هذا حبر القرآن ، ورآه يوماً مقبلاً فقال: وبشر المحسنين. وقال له أبو حنيفة يوماً: شيئان غلبتنا فيهما لا ننازعك في واحدٍ منها ، القرآن، والفرائض. وقد روى عنه خلف البزاز و خلاد الكوفي. منهج حمزة في القراءة
1- يصل نهاية السورة بأول السورة بعدها من غير بسملة بينهما. 2- يقرأ الإمام حمزة بالإشباع في المدين و المنفصل بمقدار ست حركات. 3- يقرأ بالسكت على "أل" و "َشَيْءٍ" ويقرأ من رواية خلف بالسكت على المفصول مثل ﴿ عذاب أليم ﴾. 4- يسكن الهاء فيما يلي: يؤده إليك ، وقوله ( ما تولى ونصله جهنم) نؤته منها ، فألقه إليهم. عمارة بن حمزة كامل. 5- يضم الهاء وصلاً ووقفاً في الألفاظ الثلاثة ( عَلَيْهِمْ – إِلَيْهِمْ – لَدَيْهِمْ). 6- يسكن ياءات الإضافة في ( قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا) سورة إبراهيم ، ونحو ذلك. 7- يثبت الياء الزائدة في ( رَبَنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) إبراهيم ، ( أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ) في النمل.
وقرأ عليه إبراهيم بن أحمد الطبري وإبراهيم بن عمر البغدادي وأحمد بن نصر الشذائي وطالب بن عثمان النحوي وعبيد الله ابن محمد بن أبي مسلم الفرضي وعلي بن عمر الدار قطني ومحمد بن يوسف بن نهار الحرتكي والحسن بن عبد الله ومحمد بن الحسن الأدمي وعلي ابن محمد بن يوسف بن العلاف وأحمد بن علي المطرز شيخ الرهاوي والحسن ابن محمد بن الحباب وأبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران وعمر العريف وأبو الحسين بن الشراك، توفي سنة (344ه). ينظر: غاية النهاية ص 61 رقم الترجمة (344). حمزة بن حبيب الزيات - المعرفة. [5] هو: محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم، ومقسم هذا هو صاحب ابن عباس، وكان إماماً كبيراً في القراءات والنحو جميعاً، قال عنه الداني: (مشهور بالضبط والإتقان عالم بالعربية حافظ للغة حسن التصنيف في علوم القرآن)، توفي في ربيع الآخر سنة (354 ه). ينظر: النشر 1/ 134. [6] هو: أبو علي أحمد بن عبيد الله بن حمدان بن صالح البغدادي، تلقى القرآن كله من إدريس، وكان من الضبط والإتقان بمكان، توفي سنة (340 هـ). ينظر: النشر 1/ 134. [7] هو: أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر بن الفضل بن شاذان المطوعي العباداني البصري العمري، كان إماماً في القراءات عارفاً بها ضابطاً لها ثقة، رحل فيها إلى الأقطار، سكن اصطخر، وألف وأثنى عليه الحافظ أبو العلاء الهمذاني وغيره، توفي سنة (371 هـ).