وفي قوله تعالى: غير المغضوب عليهم ولا الضالين تصريح بأن من دون المنعم عليهم فريقان: فريق ضل عن صراط الله ، وفريق جاحده ، وعاند من يدعو إليه ، فكان محفوفا بالغضب الإلهي ، والخزي في هذه الحياة الدنيا. وباقي القرآن يفصل لنا في أخبار الأمم هذا الإجمال على الوجه الذي يفيد العبرة ، فيشرح حال الظالمين الذين قاوموا الحق ، وحال الذين حافظوا عليه وصبروا على ما أصابهم في سبيله. فتبين من مجموع ما تقدم: أن الفاتحة قد اشتملت إجمالا على الأصول التي يفصلها [ ص: 29] القرآن تفصيلا. فكان إنزالها أولا موافقا لسنة الله تعالى في الإبداع ، وعلى هذا تكون الفاتحة جديرة بأن تسمى "أم الكتاب". تفسير صراط الذين انعمت عليهم. الثالثة: مما صح في فضلها من الأخبار: ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: كنت أصلي في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجبه. فقلت: يا رسول الله إني كنت أصلي. فقال: « ألم يقل الله: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم » ؟ - ثم قال لي: « لأعلمنك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ؟ » ثم أخذ بيدي ، فلما أراد أن نخرج ، قلت: يا رسول الله ألم تقل « لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن ».
- إعراب القرآن الكريم: إعراب صراطَ الذين أنعمْتَ عليْهِم (6)
- تفسير قوله تعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم }
- فصل: إعراب الآية رقم (7):|نداء الإيمان
- مدح الرسول صلي الله عليه وسلم هي
- مدح الرسول صلي الله عليه وسلم في الوورد
إعراب القرآن الكريم: إعراب صراطَ الذين أنعمْتَ عليْهِم (6)
وهكذا غالبًا ما يُذكَر طريق الحق بالإفراد، بينما يذكر طريق الباطل متعددًا، وقد يذكر أحيانًا طريق الخير بالتعدد، ويراد به فروع الشريعة. ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ﴾، الإنعام: إيصال النعمة، والنعمة في الأصل الحالة التي يستلذها الإنسان من لِينِ العيش، والخفض والدعة، والمال، ونحوها [4]. والنعمة: اسم جنس يقع على القليل والكثير، وإذا أضيفت إلى معرفة دلَّت على الإنعام المطلق التام؛ أي: على عموم النِّعم الدينية والدنيوية والأخروية، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ﴾ [المائدة: 3]، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 11]؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]. إعراب القرآن الكريم: إعراب صراطَ الذين أنعمْتَ عليْهِم (6). والإنعام خاص بإيصال النعمة والإحسان والخير إلى الغير من بني آدم، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 37]. ولا يسمَّى الإحسان إلى غير الناطقين إنعامًا، فلا تقول: أنعمت على الفرس. ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ قرأ حمزة بضم الهاء ﴿ عليهُم ﴾، وقرأ الباقون بكسرها ﴿ عليهِم ﴾ [5].
تفسير قوله تعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم }
واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة ، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة ، وهم المغضوب عليهم والضالون. قال العلامة الشيخ محمد عبده في تفسيره:
الفاتحة مشتملة على مجمل ما في القرآن. وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها ، ولست أعني بهذا ما يعبرون عنه بالإشارة ودلالة الحروف كقولهم: إن أسرار [ ص: 26] القرآن في الفاتحة ، وأسرار الفاتحة في البسملة ، وأسرار البسملة في الباء ، وأسرار الباء في نقطتها! فإن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليهم الرضوان ، ولا هو معقول في نفسه ، وإنما هو من مخترعات الغلاة الذين ذهب بهم الغلو إلى إعدام القرآن خاصته ، وهي البيان - قال - وبيان ما أريد: أن ما نزل القرآن لأجله أمور:
أحدها التوحيد: لأن الناس كانوا كلهم وثنيين - وإن كان بعضهم يدعي التوحيد -. صراط الذين انعمت عليه السلام. ثانيها: وعد من أخذ به ، وتبشيره بحسن المثوبة ، ووعيد من لم يأخذ به ، وإنذاره بسوء العقوبة ، والوعد يشمل ما للأمة وما للأفراد ، فيعم نعم الدنيا والآخرة وسعادتهما. والوعيد - كذلك - يشمل نقمهما وشقاءهما ، فقد وعد الله المؤمنين: بالاستخلاف في الأرض ، والعزة ، والسلطان ، والسيادة.
فصل: إعراب الآية رقم (7):|نداء الإيمان
وذلك في قوله: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7]، وقد بيَّن الذين أنعم عليهم، فعَدَّ منهم الصدِّيقين. وقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن أبا بكر - رضي الله عنه - من الصدِّيقين، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم، الذين أمرنا الله أن نسألَه الهداية إلى صراطهم، فلم يبقَ لَبْسٌ في أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - على الصراط المستقيم، وأن إمامته حق [4]. وقال الواحدي [5] في الوجيز: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ﴾؛ أي: غير الذين غَضِبت عليهم، وهم اليهود، ومعنى الغضب من الله - تعالى - إرادة العقوبة. ﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾؛ أي: ولا الذين ضلُّوا، وهم النصارى، فكأن المسلمين سألوا الله - تعالى - أن يهديَهم طريق الذين أنعم عليهم، ولم يغضب عليهم كما غضب على اليهود، ولم يضلوا عن الحق كما ضلَّت النصارى [6]. فصل: إعراب الآية رقم (7):|نداء الإيمان. [1] انظر الجدول في إعراب القرآن، محمود بن عبدالرحيم صافي (1 /28-29). [2] انظر "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير القرشي الدمشقي، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع (1 /140). [3] من دروس مفرغة لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين "جلسات رمضانية 1410 هـ - 1415 هـ"، (18/3 - 4) - المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.
ونضيف إلى ذلك احتمال أن اللّه يذكرنا بهذه الأحرف الهجائية والتي تتكون منها الكلمات وهذه بدورها تحمل إلينا رسالة القرآن ورسالة الحرف والكلمة التي امتاز بها الإنسان عن سائر مخلوقات اللّه من الحيوان. قال الزمخشري الحروف في أوائل السور أربعة عشر حرفا نصف أحرف الهجاء وهي مشتملة على أصناف أجناس الحروف كالمهموسة والمجهورة إلخ فسبحان من دقّق حكمته.. إعراب الآية رقم (2): {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}. الإعراب: (ذا) اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ واللام للبعد والكاف للخطاب. تفسير قوله تعالى: { صراط الذين أنعمت عليهم }. (الكتاب) بدل من (ذا)، أو عطف بيان تبعه في الرفع (لا) نافية للجنس (ريب) اسم لا مبني على الفتح في محل نصب (في) حرف جر والهاء ضمير متصل مبني في محل جر ب (في) متعلق بمحذوف خبر لا. (هدى) خبر ثان للمبتدأ (ذا) مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدّرة على الألف منع من ظهورها التعذّر (للمتقين) جار ومجرور متعلّق ب (هدى)، أو بمحذوف نعت له، وعلامة الجر الياء لأنّه جمع مذكّر سالم. وجملة: (ذلك الكتاب.. ) لا محل لها ابتدائية. وجملة: (لا ريب فيه.. ) في محل رفع خبر المبتدأ (ذا). الصرف: (ذا) اسم للإشارة، والألف من أصل الاسم، وفيه حذف بعض حروفه لأن تصغيره ذيّا، فوزنه فع بفتح فسكون، وألفه منقلبة عن ياء- كما يقول ابن يعيش- قالوا: أصله ذيّ زنة حيّ، ثم حذفت لام الكلمة فبقي ذي، ساكن الياء، ثم قلبت الياء ألفا حتى لا يشابه الأدوات كي، أي.
وهذا الحذف مطّرد في مثل هذه الأفعال وفي مشتقاتها: أسماء الفاعلين وأسماء المفعولين. (الغيب)، مصدر غاب يغيب باب ضرب، وهو بمعنى الغائب أي يؤمنون بالغائب عنهم، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول أي المغيّب، وزنه فعل بفتح فسكون. (يقيمون)، جرى فيه حذف الهمزة تخفيفا مجرى يؤمنون لأن ماضيه أقام وزنه أفعل.. وفيه إعلال بقلب عين الكلمة الواو إلى ياء وأصله يقومون بكسر الواو، فاستثقلت الكسرة على الواو فسكّنت- وهو إعلال بالتسكين- ونقلت حركتها إلى القاف، فلمّا سكّنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء فقيل يقيمون وزنه يفعلون بضم الياء. (الصلاة)، اسم مصدر لفعل صلّى الرباعيّ، أو هو مصدر له، والألف في الصلاة منقلبة عن واو لأن جمعه صلوات، وأصله صلوة، جاءت الواو متحرّكة مفتوح ما قبلها قلبت ألفا. وقد استعمل المصدر هنا استعمال الأسماء غير المصادر لأنه يدلّ على أقوال وأفعال مخصوصة. (ينفقون)، ماضيه أنفق على وزن أفعل، فهناك حذف للهمزة جرى مجرى يؤمنون. البلاغة: 1- التكرار: في قوله تعالى: (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)، و(يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) وفي تكرار اسم الموصول (الذين) وإن كان الموصوف واحدا، وقد يكون الموصوف مختلفا فهو تكرار للفظ دون المعنى.
قال الله عز وجل: ( وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ) التوبة/65-66. قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/214):
" اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عابه ، أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه ، أو خصلة من خصاله ، أو عرَّض به ، أو شبَّهَه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له ، فهو سابٌّ له ، والحكم فيه حكم الساب ، يُقتل... وكذلك مَن نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم ، أو عَبَثَ في جهته العزيزة بسخفٍ من الكلام ، وهُجر ومنكر من القول وزور ، أو عَيَّره بشيءٍ مما جرى من البلاء والمحنة عليه ، أو غَمَصَهُ ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه. في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ( قصيدة ). وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هَلُمَّ جرًّا " انتهى. ولا شك أن إطلاق لفظ " البداوة " أو وصفه صلى الله عليه وسلم بـ " البدوي " هو من التنقص الصريح والعيب الواضح ، فإن البداوة وصفُ ذمٍّ وتنقيص ، يُقصَد به الوسمُ بالجهل والرعونة والجفاء ، وهو صلى الله عليه وسلم مُعَلَّمٌ من رب الأرض والسماء ، جاء وصفه في التوراة بأنه ( ليس بفظٍّ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق) ، كما وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم/4 ، فكيف يجرؤ كذاب أن يصفه صلى الله عليه وسلم بخلاف ذلك ؟!
مدح الرسول صلي الله عليه وسلم هي
ـ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107): قال ابن كثير: "يخبر تعالى أن الله جَعَل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة". وقال الشنقيطي: "ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم، لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إنِ اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى".
مدح الرسول صلي الله عليه وسلم في الوورد
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في "سلسلة دروس شرح زاد المستقنع" (درس رقم 395، ص/7):
" إذا سب النبي صلى الله عليه وسلم سباً مباشراً باللعن - والعياذ بالله - ، أو انتقصه كأن يصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً ينتقصه به ، كأن يقول: إنه بدوي يرعى الغنم ، وقصد به التحقير له صلوات الله وسلامه عليه ، ونحو ذلك من العبارات ؛ فإنه يحكم بكفره " انتهى. والله أعلم.
العين: عين النبي صلى الله عليه وسلم كانت واسعة بشكل جميل وكانت رموشه طويلة تغطي حروف العين ، وورد ذلك في إحدى الأحاديث النبوية ، «إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ أَكْحَلُ العَيْنَيْنِ وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ» (رواه الترمذي)
الانف: انف الرسول صلى الله عليه وسلم كانت جميلة طويلة مرتفعة ودقيقة وبها كل صفات الجمال. الخد: قال عمار بن ياسر رضي الله عنه «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ» (رواه ابن ماجه) ، وهذا الحديث يصف خد الرسول صلى الله عليه وسلم انه بارز ابيض. مدح الرسول صلي الله عليه وسلم في الوورد. الفم: كان فم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم واسع ذات أسنان جميلة وهذا ما كان يميز الرجل في العصور القديمة. لون البشرة: كانت بشرة النبي صلى الله عليه وسلم ذات لون جذاب أبيض زاهي ، فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَزْهَر اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ» (رواه البخاري). الشعر: شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذات مظهر متوسط ليس مجعد أو أملس ، وذكر في إحدي الأحاديث عن شعر النبي صلى الله عليه وسلم «لم يكن بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ ، وَلا بِالسَّبِطِ》 (رواه البخاري).