كنتُ مرهقة وخائفة من مرض محمد، رغم أنني أعرف أنه من الطبيعي أن يصاب من يزور مصر للمرة الأولى بتلبك معوي وأظن الأمر عائد لاختلاف البيئة، فالبكتيريا والفطريات التي تعيش في بيئة صحراوية مثل بيئتنا تختلف عن تلك التي تعيش في بيئة نهرية، ولذلك نصاب بالمرض حين يتعرض جسمنا لبكتيريا جديدة عليه. وهذا التفسير من رأسي تمامًا ولم أقرأ أي معلومة من أي مصدر تشير إلى مثل هذا الرأي، فإذا وجدتم رأيًا موثوقًا أفيدوني به مشكورين. أجمل ما يمكن القيام به في الإسكندرية خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلة - رصيف 22. كنت أجلس بجوار محمد الذي قرر أنه لا يريد فتح الستائر، لكنني كنتُ أسترق النظر بين الفينة والأخرى من النافذة التي تقع على يساري، أو من تلك التي تقع في الأمام. وما أذهلني هو أن كل بقعة من الطريق كانت مأهولة، أما بالناس أو حيوانات المزرعة كالبقر والجاموس والحمير، أو الأراضي الخضراء المقسمة في مربعات تتفاوت درجات ألوانها المنعشة. كل بقعة فعليًا، بعكس بلادنا التي ترى الصحراء فيها على مد البصر فور مغادرة المدينة. بعد ساعتين تقريبًا وصلنا محطة سيدي جابر، وخرج الجميع من القطار ينتشرون في الأرض، لمحنا سائق سيارة أجرة وأصر على أخذنا في سيارته، رغم محاولات التملص منه لكنه كان مصرًا ووجدته مستعدًا لأخذنا وحقائبنا في سيارته الصغيرة التي كفتنا وأنا متعجبة، إذ كنتُ أخطط لأن نستقل سيارتي أجرة، لكن سائق التاكسي الذي لا أذكر اسمه أخذ المخاطرة ووضع الحقائب فوق السيارة وأصر على أن نُحشر نحن الخمسة بداخلها.
- أجمل ما يمكن القيام به في الإسكندرية خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلة - رصيف 22
أجمل ما يمكن القيام به في الإسكندرية خلال 48 ساعة... لرحلتكم المقبلة - رصيف 22
عندما تعمل في مطعم أو مقهى، وكذلك سائقا لتاكسي، تقابل كل أنواع البشر في يوم واحد، وتتعرض لكل المواقف التي قد لا تتوقعها. في المطعم، تلتقي الزبون الذي يعاملك باعتبارك خادما، لأنه سيدفع لك البقشيش بعد أن يغسل يديه، وهو لا يعلم أنك تبادله الاحتقار باحتقار أشد. لكن تقابل أيضا أنواعا من البشر يؤثرون في سلوكك طوال حياتك. تفرض تلك المهنة عليك أن تكون مهذبا، لأن "الزبون دائما على حق". ولم يكن مفهومي للتهذيب دقيقا وقتها. كنت أكثر من ترديد كلمة "آسف" باعتبارها تعبيرا عن التهذيب، إلى أن نادتني زبونة أتذكر ملامحها إلى الآن، وفاجأتني بقولها: "لماذا تكثر من ترديد عبارات الأسف؟ لا تعتذر عن أشياء لم تفعلها أبدا". كانت تحدثني بحدة صدمتني، وبحزم كأم تحاول أن تربي ابنها. ابتسمت لي برقة، وهي تغادر المطعم، فقررت أن أحتفظ بابتسامتها إلى الأبد، وتمنيت كلما زرت الإسكندرية لو أنني أقابلها مصادفة، لأعبر لها عن شكري وامتناني لهذا الدرس العظيم، الذي علمني ألا أقول ما لا أعني. تقابل أشخاصا في حياتك يعنون لك الكثير، ويتركون أثرا يصعب محوه في شخصيتك. لا يهم الوقت الذي تعرفه فيهم، ولا المكان الذي التقيتهم فيه، لأن زمنهم ومكانهم ينموان داخلك، ولأنهم يتحولون إلى جزء من تكوين شخصيتك، ومن سلوكك وثقافتك.
فشكرا دائما لهؤلاء. محتوي مدفوع
إعلان