وقال ابن رجب رحمه الله: "قيل في صوم شعبان: إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط". ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القران، ليحصل التأهب لتلقي رمضان وتتروض النفوس بذلك على طاعة الرحمن، ولهذه المعاني المتقدمة وغيرها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الصيام في هذا الشهر المبارك، ويغتنم وقت غفلة الناس وهو من ؟ هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. ولذلك فإن السلف كان يجدّون في شعبان، و يتهيئون فيه لرمضان.. ♦ قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. ♦ وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القران. هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان ؟. ♦ قال أبو بكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.
الصيام في شهر شعبان
فيه دلالة ظاهرة على فضيلة العمل في وقت غفلة الناس لأنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس ولاشك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس، فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم، كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين لهم، فسهلت الطاعات، أما إذا لم يكن ثم معين صعبة لطاعة على النفس وصار أجرها أعظم. واعلم - رعاك الله - أن مما يضاعف ثوابه في شدة الحر من الطاعات: الصيام لما فيه من ظمأ الهواجر، ولهذا كان معاذ بن جبل رضي الله عنه عند احتضاره يتأسف على ما يفوته من ظمأ الهواجر وكذلك غيره من السلف. عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: لما أصيب ابن عمر رضي الله عنه قال: ما تركت خلفي شيئا من الدنيا آسى عليه غير ظمأ الهواجر وغير مشي إلى الصلاة. الصيام في النصف الثاني من شعبان. وقد ورد أن الصديق رضي الله عنه كان يصوم في الصيف ويفطر في الشتاء. وقد وصى الفاروق رضي الله عنه عند موته ابنه عبد الله فقال له: "عليك بالصيام في شدة الحر في الصيف". وكانت عائشة رضي الله عنها تصوم في الحر الشديد. وكان مجمع التيمي - رحمه الله - يصوم في الصيف حتى يسقط. وكانت بعض الصالحات تتوخى أشد الأيام حرا فتصومه فيقال لها في ذلك، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد.
الصيام في شعبان عند المالكية
ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ" [12]. وقال صلى الله عليه وسلم: "بَدَأَ الِإسْلاَمُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ" [13]. وفي رواية: قيل: ومن الغرباء؟ قال: "الَّذِينَ يُصْلِحُونَ عنِْدَ فَسَادِ النَّاسِ" [14]. الصيام في شهر شعبان. وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العِبَادَةُ فِي الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ" [15]. وخرَّجه الإمام أحمد، ولفظه: "الْعِبَادَةُ فِي الْفِتْنَةِ كَالهِجْرَةِ إِلَيَّ" [16]. وقد قيل أن من فوائد صيام شهر شعبان: أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد لصيام شعبان حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولمَّا كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمٰن. كان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن" [17].
وعن أبي ذر قال: قال لي رسول صلي الله عليه وسلم اذا صمت شيئا من الشهر صم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة.
[٢٠]
ثم يؤكد الله -سبحانه- على أن القرآن كتاب تذكرة لأهل التقوى، من ينتفعون بما جاء فيه، ويُقبلون عليه، ومن يكذّب به سينال الوعيد الشديد، فالله يعلم المكذّبين المنكرين لهذا القرآن، فلا يكون عليهم إلا حسرة وندامة في الدنيا؛ لعجزهم عن الإتيان بمثله، وحسرة وندامة يوم القيامة حين يرون الحساب والجزاء، فهذا الكتاب هو عين اليقين، لا شك ولا ريب فيه، فتنزّه الله عن كل هذا الشرك، وتعالى عن كل هذا الكذب، طالباً من سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يسبّحه وينزّهه عن كل نقص. [٢١] ملخص المقال: سورة الحاقة سورة مكية، تحدثت عن عدة مواضيع تندرج تحت خصائص السور المكية، كالحديث عن أخبار الأمم السابقة وعذابها، والحديث عن يوم القيامة، وأحوال الناس فيه، والأهوال المصاحبة له التي تبدل حال الكون الذي اعتاد الناس على العيش فيه، ثم تختم السورة الكريمة بالحديث عن معجزة القرآن الكريم، وحفظ الله له، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- في تبليغه، وجزاء كل مكذّب له مشكك لما فيه. المراجع ↑ سورة الحاقة، آية:1-3
↑ ابن أبي زمنين، تفسير القرآن العزيز ، صفحة 26. بتصرّف. القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المعارج. ↑ مصطفى عدوي، سلسلة التفسير ، صفحة 9-12. بتصرّف. ↑ سورة الحاقة، آية:5
↑ سورة الحاقة، آية:6-7
↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:3343، صحيح.
القرآن الكريم - تفسير السعدي - تفسير سورة المعارج
يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله, احفظوا أنفسكم بفعل ما أمركم
الله به وترك ما نهاكم عنه, واحفظوا أهليكم بما تحفظون به أنفسكم من نار وقودها
الناس والحجارة, يقوم على تعذيب أهلها ملائكة أقوياء قساة في معاملاتهم, لا
يخالفون الله في أمره, وينفذون ما يؤمرون به. ويقال للذين جحدوا وحدانية الله وكفروا به
عند إدخالهم النار: لا تلتمسوا المعاذير في هذا اليوم. إنما تعطين جزاء الذي كنتم تعملونه في الدنيا. يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله,
ارجعوا عن ذنوبكم إلى طاعة الله رجوعا لا معصية بعده, عسى ربكم أن يمحو عنكم سيئات
أعمالكم, وأن يدخلكم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار, يوم لا يخزي الله النبي
والذين آمنوا معه, ولا يعذبهم, بل يعلي شأنهم, نور هؤلاء يسير أمامهم وبأيمانهم,
يقولون: ربنا أتهم لنا نورنا حتى تجوز الصراط, ونهتدي إلى الجنة, واستر علينا ذنوبنا,
إنك على كل شيء قدير. يا أيها النبي جاهد الذين أظهروا الكفر وأعلنو, وقاتلهم بالسيف, وجاهد
الذين أبطنوا الكفر وأخفوه بالحجة وإقامة الحدود وشعائر الدين, واستعمل مع
الفريقين الشدة والخشونة في جهادهما, ومسكنهم الذي يصيرون إليه في الآخرة جهنم,
وقبح ذلك المرجع الذي يرجعون إليه.
{فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِم}
وهذا اسم جنس أي: كل من هؤلاء كذب الرسول الذي أرسله الله إليهم. فأخذ الله الجميع
{أَخْذَةً رَابِيَةً}
أي: زائدة على الحد والمقدار الذي يحصل به هلاكهم.
ومن جملة أولئك قوم نوح أغرقهم الله في اليم حين طغى [الماء على وجه] الأرض وعلا على مواضعها الرفيعة. وامتن الله على الخلق الموجودين بعدهم أن الله حملهم {فِي الْجَارِيَةِ} وهي: السفينة في أصلاب آبائهم وأمهاتهم الذين نجاهم الله.
فاحمدوا الله واشكروا الذي نجاكم حين أهلك الطاغين واعتبروا بآياته الدالة على توحيده ولهذا قال:
{لِنَجْعَلَهَا} أي: الجارية والمراد جنسها، {لَكُمْ تَذْكِرَةً} تذكركم أول سفينة صنعت وما قصتها وكيف نجى الله عليها من آمن به واتبع رسوله وأهلك أهل الأرض كلهم فإن جنس الشيء مذكر بأصله.
وقوله:
{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}
أي: تعقلها أولو الألباب ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها.