( سلام هي حتى مطلع الفجر)
الوجه الثالث: من فضائل هذه الليلة. قوله تعالى: ( سلام هي حتى مطلع الفجر) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في قوله ( سلام) وجوه:
أحدها: أن ليلة القدر إلى طلوع الفجر سلام أي تسلم الملائكة على المطيعين ، وذلك لأن الملائكة ينزلون فوجا فوجا من ابتداء الليل إلى طلوع الفجر فترادف النزول لكثرة السلام. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القدر - الآية 5. وثانيها: وصفت الليلة بأنها سلام ، ثم يجب أن لا يستحقر هذا السلام لأن سبعة من الملائكة سلموا على الخليل في قصة العجل الحنيذ ، فازداد فرحه بذلك على فرحه بملك الدنيا ، بل الخليل لما سلم الملائكة عليه صار نار نمروذ عليه ( بردا وسلاما) [الأنبياء: 69] أفلا تصير ناره تعالى ببركة تسليم الملائكة علينا بردا وسلاما لكن ضيافة الخليل لهم كانت عجلا مشويا وهم يريدون منا قلبا مشويا ، بل فيه دقيقة ، وهي إظهار فضل هذه الأمة ، فإن هناك الملائكة ، نزلوا على الخليل ، وههنا نزلوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وثالثها: أنه سلام من الشرور والآفات ، أي سلامة وهذا كما يقال: إنما فلان حج وغزو أي هو أبدا مشغول بهما ، ومثله: فإنما هي إقبال وإدبار
وقالوا: تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالخيرات والسعادات ولا ينزل فيها من تقدير المضار شيء ، فما ينزل في هذه الليلة فهو سلام ، أي سلامة ونفع وخير.
- إعراب القرآن الكريم: إعراب سلام هي حتى مطلع الفجر
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القدر - الآية 5
إعراب القرآن الكريم: إعراب سلام هي حتى مطلع الفجر
2. ميقاتها وحكمة إخفائها قال الشيخ سيد سابق في فقه السنة: (ويستحب طلبها في الوتر من العشر الأواخر من رمضان فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في طلبها في العشر الأواخر من رمضان. حيث كان إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل وأيقظ أهله، وشد المئزر (أي اعتزل النساء واشتد في العبادة)). وللعلماء آراء في تعيين هذه الليلة، فمنهم من يرى أنها ليلة الحادي والعشرين، ومنهم من يرى أنها ليلة الثالث والعشرين ومنهم من يرى أنها ليلة الخامس والعشرين، ومنهم من ذهب إلى أنها ليلة التاسع والعشرين، ومنهم من قال: إنها تنتقل في ليالي الوتر من العشر الأواخر. إعراب القرآن الكريم: إعراب سلام هي حتى مطلع الفجر. وأكثرهم على أنها ليلة السابع والعشرين. روى أحمد – بإسناد صحيح – عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين". وروى مسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي – وصححه عن أبي ابن كعب أنه قال: "والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان – يحلف ما يستثني – ووالله إني لا علم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها، بيضاء، لا شعاع لها".
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة القدر - الآية 5
علامات ليلة القدر ذكر العلماء أن لليلة القدر علامات كبرى وعلامات صغرى: العلامات الكبرى 1- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار. 2- الطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر من مما يجده في بقية الليالي. 3- أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف أو قواصف، بل بكون الجو مناسبا. 4- أنه قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضي الله عنهم. 5- أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي. العلامات الصغرى هناك بعض العلامات التي يستدل بها البعض على ليلة القدر: 1. أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها" 3 وقال صلى الله عليه وسلم: "وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها" 4. وهذا الحديث الذي رواه مسلم ربما يكون الأصح في علامات ليلة القدر وأماراتها، غير أنه لا يمكن القطع على وجه اليقين أن تكون أية ليلة، والحكمة في ذلك أن الله تعالى يريد أن يتعبدنا في هذه الليالي، وليس من الأدب مع الله تعالى أن يتعبد الإنسان ليلة، فإذا حاز شرفها ترك العبادة.
حكمة الإخفاء أما إخفاء ليلة القدر في شهر رمضان، فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أن مظانّ التماسها العشر الأواخر، وأكّـد على التماسها في وتر هذه الليالي، ليجتهد المؤمن في العبادة، وضبط النفس على الطاعات طوال ليالي شهر رمضان من جهة، ثم ليضاعف من اجتهاده في العشر الأواخر منه، ثم ليزيد من الحرص وحسن العبادة في الآحاد، رغبة في أن يظفر بلقياها واغتـنام خيراتها! يروي الشيخان وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عاماً، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين (وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه)، قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، فقد أُرِيت هذه الليلة، ثم أُنسيتها، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر". فمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش، فوكف المسجد، فبصُرت عيناي رسول الله على جبهته أثر الماء والطين، من صبح إحدى وعشرين! وفي رواية عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي أُرُوا ليلة القدر في المنام، في السبع الأواخر، فقال رسول الله: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحرّيها فليتحرّها في السبع الأواخر" وتعددت الروايات في ذلك!