بر الوالدين بعد وفاتهما:
لا ينتهي البر بالوالدين
بموتهما أو بموت أحدهما ، بل يستمر إلى ما بعد الموت ، فقد روى إن رجلاً جاء إلى
رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال:
يا رسول الله هل بقى من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما ؟ قال: نعم الصلاة
عليهما ، والإستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما ، وصلة الرحم التي لا توصل إلا
بهما ، وإكرام صديقهما (مسند أحمد 3/497)
وفى الحديث حث على بر
الوالدين في حياتهما وما بعدها ، ويكون ذلك بالاستغفار لهما ، والوفاء بالعهود
والمواثيق التي عقداها في حياتهما وإكرام أصدقائهما وصلة أرحامهما. ولا يقف البر بهما في حياتهما،
ولا ينتهي بموتهما، بل تبقى حقوق البر على الابن بعد موت والديه لمن أراد
الخير.. فمن ذلك: 1- الاستغفار لهما
والدعاء: كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا
من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو
له". [مسلم]. وفي الحديث:"ترفع للميت بعد موته درجة. فيقول:
أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر
لك". [أحمد والبخاري في الأدب المفرد. قال البوصيري: إسناده
صحيح، و قد حسنه الألباني]. 2- التصدق عنهما: وقال
رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:"إن أمي توفيت أينفعها أن
أتصدق عنها؟ قال: نعم.
- بر الوالدين بعد وفاتهما
- أساء لأبويه ، وندم على ذلك بعد وفاتهما ، فكيف يصنع ؟ - الإسلام سؤال وجواب
- بر الوالدين بعد موتهما وفضله - موضوع
بر الوالدين بعد وفاتهما
[رواه ابن حبان في صحيحه]. ومن صور بر الوالدين بعد موتهما أيضا:
قضاء الديون والنذور والكفارات:
فالميت مرهون بدينه، أي محبوس عن الجنة بسببه حتى يقضى عنه، وفي الحديث: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين)..
وأما النذر فقد جاء في حديث ابن عباس: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ – صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عَن أمِّكِ)(صحيح على شرط الشيخين). ولا شك أن هذا الحديث يشمل الكفارات، فهي أخت للنذور. وقد ثبت قوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صوم صام عنه وليه)، وكذا صحت الأحاديث في الحج عن الميت. الصدقة عنهما:
وهو الباب الأوسع والأضمن، فقد أجمع أهل العلم على وصول ثواب الصدقة إلى الميت، كما قال ابن المبارك: "ليس في الصدقة خلاف"، كما ثبت في صحيح البخاريّ عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: (أنَّ سَعْدَ بنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنْه تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهو غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شيءٌ إنْ تَصَدَّقْتُ به عَنْهَا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فإنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا).
أساء لأبويه ، وندم على ذلك بعد وفاتهما ، فكيف يصنع ؟ - الإسلام سؤال وجواب
طرق بر الوالدين بعد موتهما
الاستغفار والدعاء لهما، فهما من أكثر الأعمال المستحبة والتي يصل ثوابها إلى الميت، فقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10]. ومن الأعمال التي لا تنقطع عن المسلم بعد وفاته ولد صالح يدعو ويستغفر له، وهي صفات الابن البار والصالح، فقال عليه الصلاة والسلام: (إذا ماتَ الرجلُ انقطعَ عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ ولدٍ صالحٍ يدعو لَهُ، أو صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتَفعُ بِهِ) [صحيح]. التصدق عنهما، فالصدقة من الأمور التي يؤجر عليها المسلم، وتُرضي الله تعالى، فعندما يتصدق الشخص عن والديه بعد وفاتهما تكون سبباً في نجاتهما، ودخولها برحمة الله تعالى إلى الجنة، ومن صور الصدقة وضع مياه للشرب عند المسجد أو المدرسة، أو التبرع بأثاث، وغيرها الكثير. أداء فريضة الحج والعمرة، وهي من الأعمال المعروفة في بر الوالدين بعد وفاتهما، وخاصة إذا لم يكونا قد أديّا هذه الفريضة في حياتهما. صلة الأقارب والأصدقاء المقربين من الوالدين، والإحسان لهما، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنَّ أبرَّ البرَّ أن يصِلَ الرجلُ أهلَ ودِّ أبيه) [صحيح].
بر الوالدين بعد موتهما وفضله - موضوع
فإن بر الوالدين عبادة من أجل العبادات وواجب من أهم الواجبات، وفريضة وقربة من أعظم الفرائض وأفضل القربات، وقد قرنه الله تعالى بتوحيده وعبادته، وقرن حقهما بحقه، وشكرهما بشكره في أكثر من موضع في كتابه فقال الله جل في علاه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:23]، وقال سبحانه: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا}(النساء:36)، وقال أيضا: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:14]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة عاق)، وجعل من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين. أكمل وأجمل
وإذا كان بر الوالدين في حياتهما قد جمع من الخير أكمله، ومن الإحسان أجمله، وحاز من المعروف أنفعه، وحوى من الفضل أرفعه.. فإن الاستمرار على ذلك بعد وفاتهما أكمل وأجمل وأنفع وأرفع.. فحاجتهما إلى هذا البر أكبر ونفعه لهما أعظم. فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله، وتوقف رصيده فيصبح أغلى شيء عنده أن يهدي إليه أحد من أهل الدنيا حسنة أو دعوة أو ثواب عمل يجري أجره عليه.. وهنا يأتي دور الولد الصالح الذي أخبر عنه النبي صلوات الله عليه وسلامه بقوله في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاةَ؛ يقول: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» رواه مسلم. وإذا كان من الإحسان إلى الميت الإحسانُ إلى أصدقائه؛ فالأب والأُم أَولى بذلك الإحسان في حياتهما, وبعد موتهما. 11- الاعتراف بفضلهما, والثناء عليهما: فعن أبي مُرَّة؛ مولى أمِّ هانئ بنت أبي طالبٍ: (أنه ركب مع أبي هريرة - رضي الله عنه - إلى أرضه بـ"العقيق" فإذا دخل أرضَه صاح بأعلى صوته: السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته يا أُمَّتاه! تقول: وعليكَ السلام ورحمة الله وبركاته. يقول: رحمكِ اللهُ؛ كما ربَّيتيني صغيراً. فتقول: يا بُنَيَّ! وأنت, فجزاك الله خيراً, ورضي عنك؛ كما بَرَرْتَني كبيراً) حسن - رواه البخاري في "الأدب المفرد". فالاعتراف بفضل الوالدين - بعد وفاتهما - والثناء عليهما من أعظم البر. وهنا مسألة مهمة تتعلق بالاستغفار للوالدين: إذا كان الوالدان كافرَين أو أحدُهما كافراً؛ فهل يجوز لولده أنْ يستغفر له؟
الجواب: لا خلاف بين العلماء في أنه لا يُدعى بالمغفرة والرحمة للكافر الذي مات على الكفر. قال النووي - رحمه الله: (الصلاة على الكافر, والدعاء له بالمغفرة حرام؛ بنص القرآن والإجماع).