عدد الصفحات: 162 عدد المجلدات: 1
تاريخ الإضافة: 2/6/2016 ميلادي - 26/8/1437 هجري
الزيارات: 9199
♦ عنوان الكتاب: التربية بالمجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). ♦ المؤلف: د. شريف فوز ي سلطان. ♦ سنة النشر: 1437 هـ - 2016 م. تفسير قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله. ♦ عدد الصفحات: 162. التربية بالمجاهدة
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
مجاهدة النفس: حملها على اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، وإذا قوِي على ذلك قوِي على جهاد أعداء الدين، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت:69]، فعلق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادًا، وأفرض الجهاد: جهاد النفس وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله، هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته. قال الإمام الغزالي في الإحياء: " فالمجاهدة مفتاح الهداية لا مفتاح لها سواها ".
- تفسير قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله
تفسير قوله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله
فما ظنك بملك استولى عليه عدوه فأنزله عن سرير ملكه، وأسره وحبسه وحال بينه وبين خزائنه وذخائره وخدمه وصيرها له، ومع هذا فلا يتحرك الملك لطلب ثأره ولا يستغيث بمن يغيثه ولا يستنجد بمن ينجده ؟! وفوق هذا الملك ملك قاهر لا يُقْهَر وغالب لا يُغْلَب وعزيز لا يُذل.. فأرسل إليه: إن استنصرتني نصرتك، وإن استغثت بي أغثتك، وإن لجأت إليَّ أخذت بثأرك، وإن هربت إليَّ وأويت إليَّ سلطتك على عدوك وجعلته تحت أسرك. فإن قال هذا الملك المأسور: قد شد عدوي وثاقي وأحكم رباطي واستوثق منى بالقيود ومنعني من النهوض إليك والفرار إليك والمسير إلى بابك، فإن أرسلت جندا من عندك يحل وثاقي ويفك قيودي ويخرجني من حبسة، أمكنني أن أوافي بابك، وإلا لم يمكنني مفارقة محبسي ولا كسر قيودي. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا. فإن قال ذلك احتجاجًا على ذلك السلطان ودفعًا لرسالته ورضًا بما هو فيه عند عدوه، خلاه السلطان الأعظم وحاله و ولاه ما تولى.. وإن قال ذلك افتقارًا إليه، وإظهارًا لعجزه وذله، وأنه أضعف وأعجز أن يسير إليه بنفسه ويخرج من حبس عدوه ويتخلَّص منه بحوله وقوته.. وأن من تمام نعمته ذلك عليه كما أرسل إليه هذه الرسالة أن يمده من جنده ومماليكه بمن يعينه على الخلاص ويكسر باب محبسه ويفك قيوده، فإن فعل به ذلك فقد أتم إنعامه عليه، وإن تخلى عنه فلم يظلمه ولا منعه حقًا هو له.
فيأتي الجواب في آخر السورة، في هذه القاعدة القرآنية المحكمة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فلا بد من الجهاد ـ بمعناه العام ـ ولا بد من الإخلاص، عندها تأتي الهداية، ويتحقق التوفيق بإذن الله. ولا بد لكل من أراد أن يسلك طريقاً أن يتصور صعوباته؛ ليكون على بينة من أمره، وهكذا هو طريق الدعوة إلى الله، فلم ولن يكون مفروشاً بالورود والرياحين، بل هو طريق "تعب فيه آدم, وناح لأجله نوح, ورمى في النار الخليل, وأضجع للذبح إسماعيل, وبيع يوسف بثمن بخس, ولبث في السجن بضع سنين"(1). أتدري لماذا أيها القارئ الكريم؟ لأن "الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف؛ وأمانة ذات أعباء؛ وجهاد يحتاج إلى صبر، وجهد يحتاج إلى احتمال. والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا سورة. فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا. وهم لا يتركون لهذه الدعوى، حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم، كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب"(2). "فيا من نصبت نفسك للدعوة، وأقمت نفسك مقام الرسل الدعاة الهداة تحمَّل كلَّ ما يلاقيك من المحن بقلب ثابت، وجأش رابط، ولا تزعزعنَّك الكروب؛ فإنها مربِّية الرجال، ومهذِّبة الأخلاق، ومكوِّنة النفوس.