مقابلة السوء بالخير: لا نكاد نجد اليوم من يقابل السوء بالخير إلا ضمن من تربوا تربية إيمانية على يد عارف بالله أو مصحوب؛ إذ المعهود أن من يفعل هذا يعتبر جبانا أو ساذجا. ولنا في السلف الصالح إسوة حسنة في خصوص هذا الأمر. أخرج ابن عساكر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خيار أمتي خمسمائة والأبدال أربعون، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون، كلما مات بدل أبدل الله من الخمسمائة مكانه وأدخل في الأربعين مكانهم، فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون ينقصون، فقالوا: يا رسول الله! دُلَّنا على أعمال هؤلاء، فقال: هؤلاء يعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلى من أساء إليهم، ويواسون مما آتاهم الله، وتصديق ذلك في كتاب الله: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ". {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} - طريق الإسلام. مظاهر الغيظ الجسدية والنفسية والغيظ يؤثر على الجسد والنفس في آن معا. فمن الناس من يظهر عليه احمرار الوجه والعينين، ومنهم من يصفر لون بشرته من أثر انقباض الدم. والأثر على اللسان أقبح من نظيره على الوجنتين إذ ينطلق بالشتم والفحش الذي يستحي منه العاقل ويندم قائله عند سكون الغضب. وأما الأثر على اليدين والرجلين فأسوأ إذ ينطلقان في الضرب والرفس وهذا منتهى الجنون.
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} - طريق الإسلام
وقد ورد في السنة في فضل كظم الغيظ
أحاديث كثيرة نقتصر على بعضها فمنها:
–
عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
((ما تجرع عبد جرعة أفضل عند الله – عز وجل – من جرعة غيظ
يكظمها ابتغاء وجه الله – تعالى -)) 14. وعن سهل بن معاذ عن أبيه – رضي الله عنهما -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
قال: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله
– عز وجل – على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى
يخيره الله من أي الحور العين شاء)) 15. وعن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله – صلى الله عليه
وسلم – بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس
منه، وما انتقم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله
فينتقم لله بها)) 16. فهذا بعض ما ورد في فضل كظم الغيظ والعفو، وقد ورد في القرآن جواز الانتقام ممن
اعتدى والمعاقبة بالمثل.
مقدمة من خصائص النفس البشرية الانتصار للنفس والكبرياء والنزوع إلى التقليل من شان الآخر. والمؤمن في سلوكه إلى الله عز وجل مطالب بالتخلص شيئا فشيئا من رواسب هذه الأنماط السلوكية والتحلي بنقيضها من الصفات التي ذكرها الله عز وجل في القرآن الكريم، وحث عليها رسوله الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم في الأحاديث النبوية الشريفة. ومن الصفات التي ترفع المؤمن إلى المقامات العليا صفتا كظم الغيظ والعفو عن الناس. قال تعالى في الآيتين 133 و134 من سورة آل عمران: سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين. فما معنى كظم الغيظ؟ الكظم لغة: حبس الشيء عند امتلائه، والغيظ: توقُّد حرارة القلب من الغضب. والكاظمون الغيظ هم الحابسون أنفسهم عن الاستجابة لبواعث الغضب وتنفيذ ما يقتضيه. وكظم الغيظ اجتراع الغضب الكامن في الصدر وامتلاك النفس. إن كظم الغيظ والعفو عن الناس من أمهات محاسن الأخلاق؛ ولم يبلغ كمال الاعتدال فيهما إلا الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أراد الاقتداء به والقرب منه ومن الله عز وجل، فليتحل بهاتين الخصلتين.