وإما أن يكون قد أوجد الكون فاعل غيره خارج عن ذاته، وهذا أيضا لا يمكن أن يخرج عن احتمالين:
أن يكون وجود ذلك الفاعل مسبوقا بالعدم، وهذا يُقال فيه ما قيل في الخيار الأول من الأمور الثلاثة السابقة ويُضاف إلى ذلك أنه يلزم منه التسلسل في الفاعلين المؤثرين وهذا أمر ممتنع في بداهة العقل، ويؤدي بالضرورة إلى عدم حدوث شيء في الواقع، وإذا وجدنا أحداثا في الوجود علمنا استحالة التسلسل في الفاعلين. أن حدوث الكون وانتقاله من العدم إلى الوجود لا يمكن إلا أن يكون بفعل فاعل لا فاعل قبله. والاحتمال الأخير هو الاحتمال الممكن الوحيد، فنصل من كل ما سبق أن المؤمن بوجود الخالق لا يتوسل بالمجهول على إثبات إيمانه، وإنما يعتمد على المبادئ العقلية الضرورية لإثبات ذلك. ثانيا: دليل الإحكام والإتقان
يُستدل بهذا الدليل على ضرورة وجود الله سبحانه بما في العالم من الإتقان في الخلقة والإحكام في تفاصيله الدقيقة المذهلة، ولتحقق ذلك لا بد من فاعل يتصف بالقدرة والحكمة وسعة العلم. وهذا الدليل يسميه العلماء التجريبيون "دليل التصميم"، وهو ما تقوم عليه نظرية التصميم الذكي. الأدلة على وجود الله ، والحكمة من خلقه للعباد - الإسلام سؤال وجواب. يقوم دليل الإحكام والإتقان على مقدمتين أساسيتين: أن الكون متقن ومحكم في خلقته، وأن الإتقان والإحكام لا بد له من فاعل حكيم عليم.
- مؤسسة الدليل - الأدلّة العقليّة على إثبات وجود الإله.. قراءةٌ في النصّ الدينيّ
- الأدلة على وجود الله ، والحكمة من خلقه للعباد - الإسلام سؤال وجواب
- وجود الله.. كيف أثبته المسلمون بالعقل؟! - تبيان
مؤسسة الدليل - الأدلّة العقليّة على إثبات وجود الإله.. قراءةٌ في النصّ الدينيّ
وبمثل هذا استدَلَّ الإمامُ الشافِعِيُّ رضي اللهُ عنه فيما يُروى عنه أنّه قال (ورقةُ التوت ريحُها وطعمُها ولونُها واحد تأكل منها الغزالة فيخرج منها المسك، وتأكل منها دودة القز فيخرج منها الحرير، ويأكل منها الجمل فيخرج منه البعر، ويأكل منها الماعز فيخرج منه اللبن أي الحليب). اهـ وسُئلَ أعرابيٌّ عن ذلك فقال البعْرَةُ تدُلُّ على البعيرِ وءاثارُ الأقدامِ تدُلُّ على الـمَسِيرِ أفلا يدلُّ هذا العالـمُ على وجودِ اللطيفِ الخبيرِ. اهـ بلى تبارك الله الخلاق العظيم.
تأمل في نبات الأرض وانظر*** إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين شاخصات *** بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات *** بأن الله ليس له شريك
أيها المؤمنون: إن أدلة وجود الله كثيرة ومتعددة وأكثر من أن تحصى؛ فينبغي للمسلم أن يتفكر ويتدبر فيها؛ ليس لأن لديه شك؛ ولكن ليزداد إيماناً ويقيناً وعبادة وإخلاصاً لله -سبحانه وتعالى-، ويعلم علم اليقين ما يستحقه الرب من الإجلال ولإكرام والتقدير والهيبة والرهبة؛ وحتى يكون داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منير. ألا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
الأدلة على وجود الله ، والحكمة من خلقه للعباد - الإسلام سؤال وجواب
وبمثل هذا استدَلَّ الإمامُ الشافِعِيُّ رضي اللهُ عنه فيما يُروى عنه أنّه قال: ورقةُ التوت ريحُها وطعمُها ولونُها واحد تأكل منها الغزالة فيخرج منها المسك، وتأكل منها دودة القز فيخرج منها الحرير، ويأكل منها الجمل فيخرج منه البعر، ويأكل منها الماعز فيخرج منه اللبن أي الحليب اهـ. وسُئلَ أعرابيٌّ عن ذلك فقال البعْرَةُ تدُلُّ على البعيرِ وءاثارُ الأقدامِ تدُلُّ على الـمَسِيرِ أفلا يدلُّ هذا العالـمُ على وجودِ اللطيفِ الخبيرِ اهـ. بلى تبارك الله الخلاق العظيم.
وتذكّرنا كثيرٌ من الآيات باشتراكهم مع عالم الإنس في أصل التكليف، من مثل قوله تعالى: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم} (الأنعام:130)، واشتراكهم في الجزاء الأخروي بحسب أعمالهم، نجد ذلك في قوله سبحانه: {قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار} (الأعراف:38). واستعرضت سورة الجن بالكامل أحوالهم المتعدّدة، وطرفاً من أخبارهم مع الوحي، وموقفهم من رسالة الإسلام، وافتراق طوائفهم وتنوّعها، وتعظيم مؤمنيهم لله سبحانه وتنزيههم له عن الصاحبة والولد، إلى غير ذلك من الأمور. والقصدُ هنا التنبيه على أن ذكر الجن والتفصيل بأحوالهم على نحوٍ واضحٍ لا لبسَ فيه، لا يدعُ لأحدٍ مجالاً أن يُنكر وجودهم أو يحرّف معاني الآيات الدالة عليهم. السنة النبويّة نستطيع أن نقول: إن قضيّة وجود الجن هي من قبيل التواتر المعنوي؛ فإن ذكرهم قد ورد في العديد من الأحاديث الصحيحة الصريحة في مواطن متعددة وبسياقات متنوّعة مما يُثبت وجودهم ويردّ على جماعة المُنكرين. والأحاديث في وجودهم لا تُحصى، بل تملأ مصنّفاً مستقلاً، نجد فيها: ذكر أصل خِلْقتهم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم) متفق عليه، وبيان طعامهم: (هما من طعام الجن –يعني العظم والروثة-، وإنه أتاني وفد جن نصيبين، ونعم الجن، فسألوني الزاد، فدعوت الله لهم أن لا يمروا بعظم، ولا بروثة إلا وجدوا عليها طعاما) رواه البخاري ، وأنهم يتراحمون: (إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها) رواه مسلم ، وغير ذلك من أحوالهم.
وجود الله.. كيف أثبته المسلمون بالعقل؟! - تبيان
ويعتمد دليل الإحكام والإتقان على نقطتين هما:
النقطة الأولى: الكون متقن ومحكم في خلقته؛ ومعنى ذلك أن الكون رُكّب بطريقة معقدة جدًا، ولا يمكن القول أن هذا الإبداع جاء من الكون نفسه أو من الصدفة، كما أن أحداثه وأجزاءه شُكّلت في مسارات دقيقة، بحيث أن كل جزء منه يؤدي وظيفة دقيقة خاصة به، وقُدرت مكوناته بمقادير دقيقة بحيث أن أي تغيير من زيادة أو نقصان يؤدي إلى اختلافات كبيرة تسبب فساد الكون بأكمله، فكل إنسان عاقل يرى أشكالًا متنوعة من الإتقان والإبداع في هذا الكون يعلم ويسلّم بالضرورة بوجود متقن لها.
( رواه ابن حبان في صحيحه) فإنَّ النظَرَ في مخلوقاتِ الله يَدُلُّ على وجودِ الخالِقِ ووحدانِيَّتِه. وقد قال علماءُ أهلِ السنَّةِ إنه يجبُ على كلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يكونَ في قلبِهِ الدليلُ الإجماليُّ على وجودِ الله. فالواحدُ مِنَّا إخوَة الإيمان يَعرِفُ مِنْ نَفْسِهِ أنَّه لم يكُن مَوجودًا في وقتٍ مِن الأوقاتِ ثمَّ وُجِدَ وخُلِقَ ومَن كان كذلك لا بُدَّ مُحتاجٌ إلى مِن أوْجَدَهُ بعدَ أن لم يَكُنْ، لأنَّ العقلَ السليم يَحْكُمُ بأنَّ وجودَ الشىء بعد عَدَمِهِ مُحتاجٌ إلى مُوجِدٍ له وهذا الموجِدُ هو اللهُ تبارك وتعالى. هذا العالَمُ مُتَغَيّرٌ مِن حالٍ إلى حالٍ فالهواءُ يَهُبُّ تارَةً ويَسْكُنُ تارَةً … ويَسخُنُ وقتًا ويَبرُدُ في وقتٍ ءاخَرَ.. وتَنبُتُ نَبْتَةٌ وتَذْبُلُ أخرى.. وتُشرِقُ الشمسُ من المشرِقِ وتَغْرُبُ في المغرِبِ… وتكونُ الشمسُ في وَسَطِ النهار بيضاءَ وفي ءاخِرِهِ صفراءَ فكلُّ هذه التغيُّراتِ تَدُلُّ على أنّ هذه الأشياءَ حادِثَةٌ مخلوقَةٌ لها مُغَيّرٌ غَيَّرَها ومُطَوّرٌ طَوَّرَها، وهذه الأشياءُ أجزاءٌ من هذا العالم فهذا العالم مخلوقٌ حادِثٌ مُحتاجٌ إلى من خَلَقَهُ وهو الله تعالى. فلو قال مُلْحِدٌ لا يؤمنُ بوجودِ الله نحن لا نرى اللهَ فكيف تؤمِنُون بوجودِهِ ؟ يُقال له – وانتبهوا إلى الجواب إخوة الإيمان – يُقالُ له إنْ لم تكن تراه فإنَّ ءاثارَ فِعْلِهِ كثيرةٌ فوجودُ هذا العالمِ وما فيه من المخلوقات دليلٌ على وجود الله فالكتابُ لا بُدَّ له مِن كاتبٍ والبِناءُ لا بُدَّ له مِنْ بَنّاءٍ وكذلك هذا العالمُ لا بُدَّ له مِن خالِقٍ خلَقَهُ وأوجَدَهُ، وأما كونُكَ لا تراهُ فليس دليلاً على عدمِ وجودِه فكم مِن الأشياء التي تؤمِنُ بوجودِها وأنت لا تراها ومِن ذَلِكَ عقلُكَ وروحُكَ وأَلـمُكَ وفرحُك.