وهي استعارة رشيقة; لأن ذلك التعلق يشبه الكلام في أنه ينشأ عنه إدراك معنى ويدل على إرادة المتكلم ، وعلى علمه. وجملة ولو كره المجرمون في موضع الحال ، ولو وصلية ، وهي تقتضي أن الحالة التي بعدها غاية فيما يظن فيه تخلف حكم ما قبلها ، كما تقدم عند قوله - تعالى: ولو افتدى به في سورة آل عمران ، فيكون غير ذلك من الأحوال أجدر وأولى بتحقيق الحكم السابق معه. وإنما كانت كراهية المجرمين إحقاق الحق غاية لما يظن فيه تخلف الإحقاق لأن تلك الكراهية من شأنها أن تبعثهم على [ ص: 258] معارضة الحق الذي يسوءهم ومحاولة دحضه وهم جماعة أقوياء يصعب عليهم الصعب فأعلمهم أن الله خاذلهم. وأراد بالمجرمين فرعون وملأه فعدل عن ضمير الخطاب إلى الاسم الظاهر لما فيه من وصفهم بالإجرام تعريضا بهم. وإنما لم يخاطبهم بصفة الإجرام بأن يقول: وإن كرهتم أيها المجرمون عدولا عن مواجهتهم بالذم ، وقوفا عند أمر الله - تعالى - إذ قال له فقولا له قولا لينا فأتى بالقضية في صورة قضية كلية وهو يريد أنهم من جزئياتها بدون تصريح بذلك. تفسير: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين). وهذا بخلاف مقام النبيء محمد - صلى الله عليه وسلم - إذ قال الله له قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون لأن ذلك كان بعد تكرير دعوتهم ، وموسى - عليه السلام - كان في ابتداء الدعوة.
تفسير: (فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين)
قلت: لأن كل من اتبع شيئا وجعله أمامه فقد فضله على غيره ، ومعنى " تتلو " يعني تلت ، فهو بمعنى المضي ، قال الشاعر: وإذا مررت بقبره فاعقر به كوم الهجان وكل طرف سابح وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخا دم وذبائح أي فلقد كان. وما مفعول ب ( اتبعوا) أي اتبعوا ما تقولته الشياطين على سليمان وتلته. وقيل: ما نفي ، وليس بشيء لا في نظام الكلام ولا في صحته ، قاله ابن العربي. [ ص: 42] على ملك سليمان أي على شرعه ونبوته. قال الزجاج: قال الفراء على عهد ملك سليمان. وقيل: المعنى في ملك سليمان يعني في قصصه وصفاته وأخباره. قال الفراء: تصلح على وفي ، في مثل هذا الموضع. وقال على ولم يقل بعد لقوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته أي في تلاوته. وقد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه ، فلا معنى لإعادته. والشياطين هنا قيل: هم شياطين الجن ، وهو المفهوم من هذا الاسم. وقيل: المراد شياطين الإنس المتمردون في الضلال ، كقول جرير: أيام يدعونني الشيطان من غزلي وكن يهوينني إذ كنت شيطانا _________________ المدير العام للمنتديات انا المغرب محمد عيساوي حبيب الله ورسوله مشرف الشؤون الاسلامية عدد المساهمات: 250 تاريخ التسجيل: 10/10/2013 العمر: 32 موضوع: رد: مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ الإثنين مارس 03, 2014 10:13 am ارهبو ابليس بالقران انه سلاح فتاك له ولعشائره _________________ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ
[ ص: 256] وقوله: السحر قرأه الجمهور بهمزة وصل في أوله هي همزة ال ، فتكون ما في قوله: ما جئتم به اسم موصول ، والسحر عطف بيان لاسم الموصول. وقرأه أبو عمرو ، وأبو جعفر " آلسحر " بهمزة استفهام في أوله وبالمد لتسهيل الهمزة الثانية ، فتكون ( ما) في قوله: ما جئتم به استفهامية ويكون " آلسحر " استفهاما مبينا لـ ما الاستفهامية. وهو مستعمل في التحقير. والمعنى: أنه أمر هين يستطيعه ناس كثيرون. وإن الله سيبطله خبر ما الموصولة على قراءة الجمهور ، واستئناف بياني على قراءة أبي عمرو ومن وافقه وتأكيد الخبر بـ إن زيادة في إلقاء الروع في نفوسهم. وإبطاله: إظهار أنه تخييل ليس بحقيقة; لأن إظهار ذلك إبطال لما أريد منه ، أي إن الله سيبطل تأثيره على الناس بفضح سره ، وأشارت علامة الاستقبال إلى قرب إبطاله ، وقد حصل ذلك العلم لموسى - عليه السلام - بطريق الوحي الخاص في تلك القضية ، أو العام باندراجه تحت قاعدة كلية ، وهي مدلول إن الله لا يصلح عمل المفسدين
فجملة إن الله لا يصلح عمل المفسدين معترضة ، وهي تعليل لمضمون جملة إن الله سيبطله ، وتذييل للكلام بما فيه نفي الإصلاح. وتعريف المفسدين بلام الجنس ، من التعميم في جنس الإصلاح المنفي وجنس المفسدين ليعلم أن سحرهم هو من قبيل عمل المفسدين ، وإضافة عمل إلى المفسدين يؤذن بأنه عمل فاسد; لأنه فعل من شأنهم الإفساد فيكون نسجا على منوالهم وسيرة على معتادهم ، والمراد بإصلاح عمل المفسدين الذي نفاه أنه لا يؤيده.