الموضوع له تاريخ، وله سياق، ويحتاج إلى أبحاث ودراسات، وله تجليات ملموسة منذ البيان الأول الذي صدر عن القيادة الوطنية الموحّدة للانتفاضة الوطنية الكبرى في العام 1987 وحتى يومنا هذا. دشّن «الإسلام السياسي» انشقاقه عن الحالة الوطنية، وخروجه عن ومن الأطر الوطنية آنذاك مستفيداً ومستثمراً من تركيز الاحتلال وأعوانه على كادر وقيادات وقواعد الفصائل الوطنية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية. الحقيقة التي يهرب ويتهرّب منها بعض «المحسوبين» على «المقاومة» أو «الممانعة» هي أن الإقليم العربي وجد في هذا المولود «فرصةً» نادرة ـ حتى ولو مؤقّتاً ـ للضغط على المنظمة، وخصوصاً الحواضر الخليجية (بتعبير حسن خضر)، حيث وجد «الجميع» أن دعم المولود الجديد سيحسّن من فرص التعايش بين دول الإقليم وجماعات «الإخوان المسلمين» التي كانت تعيش في مرحلة صعود صاروخية، وكان قد أصبح لهذه الجماعات من المدّ والتأثير ما لفت انتباه أميركا نفسها والغرب كلّه، وهناك بالذات بدأت إرهاصات التفكير الأميركي والغربي بـ»الاستثمار» السياسي بـ»الإخوان». لماذا سمي المد الفرعي بهذا الاسم | مدونة المناهج التعليمية. بل وأدعي هنا أن من هناك قد بدأت الإرهاصات الأولية للمشروع الإسرائيلي «بسلخ» القطاع من خلال شق الحالة السياسية الوطنية وتوجيهه ضربة قاتلة لكامل المشروع الوطني، خصوصاً بعد الوحدة التي تجسّدت في مؤتمر الجزائر في العام 1988.
لماذا سمي المد الفرعي بهذا الاسم | مدونة المناهج التعليمية
وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - من سخريات القدر الفلسطيني، ومن المفارقات المؤلمة في الواقع الفلسطيني أن يتمّ تزييف الوعي الوطني باسم «المقاومة» أو «الممانعة»، أو غيرها من تعبيرات ومصطلحات حالة «الهياج الديماغوجي» التي نشهد فصولها في بعض المحطات الكفاحية، أو المفاصل والمنعطفات التي يمرّ بها النضال الوطني، إن كان لجهة الوحدة الميدانية في هذا الكفاح، أو لجهة التماسك الوطني في المواجهات ضد الاحتلال ومستوطنيه، أو حتى زيادة منسوب المشاركة الشعبية في هذه المواجهات. عندما نتحدث عن تزييف الوعي الوطني فإننا لا نتحدث، ولا نقصد حالة التنافس «المَرَضِيّة» التي اعتدنا عليها في الواقع الفلسطيني، إذ إن «التنافس المَرَضِي» في مراحل معيّنة كاد يُصبح جزءاً من «الفلكلور السياسي» الفلسطيني الذي تتوارثه «الأجيال» السياسية، إلى درجة أن التعايش مع هذا الإرث الخاص تحول في الواقع إلى نوع من «مسلّمات» الحالة الوطنية، أو وكأنه من طبيعة الأشياء ومعتاداتها. لا.. سبب المد الفرعي. ليس هذا هو المقصود بتزييف الوعي الوطني. للأسف فإن المقصود هو التزييف الذي ينطوي على تلويث هذا الوعي وتسميمه، وهو يستهدف الشروخ والتصدّعات، وهو يرمي إلى الفتنة والوقيعة، كما يطمح ويخطط بوعي وإدراك كاملين إلى حرف الأنظار وتغيير كامل المسار في لحظة حاسمة، وعند مفترق كبير.
في لحظة تتزاحم فيها فصائل «المقاومة» و»الممانعة» على نفي أي مسؤولية لها عن إطلاق قذيفة هاون من القطاع تدخل إلى باحات وساحات الأقصى رُزمٌ من رايات «حماس» الخضراء، بعد انتهاء المعركة المباشرة، لتقول لنا، وفي وجوهنا إن علم فلسطين لا يعبّر عن مشروع «المقاومة» و»الممانعة»، لأن العلم الوحيد هو علم «الإسلام السياسي»، وليس علم فلسطين. لم يكن ممكناً تزييف الوعي الوطني، أو لم يكن ممكناً أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من استباحة هذا الوعي لولا أن هناك فعلاً على الجهة المقابلة من يزيّف الوعي الوطني من ناحيته وعلى طريقته، أيضاً، لأن صراع «السلطات» قائم على قدمٍ وساق، ولأن فئات معينة من داخل مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن داخل المؤسسات الفصائلية تريد أن تحوّل الوعي الوطني إلى حالة استكانة، وإلى «مرافعات» سياسية أمام الولايات المتحدة والغرب، وليس إلى فعلٍ كفاحيّ ضد الاحتلال وأدواته وأعوانه. ما يدعو إلى الحزن والأسى هو التنكّر لتضحيات الشعب الفلسطيني، بل هو تنكّر للتضحيات العظيمة التي قدمتها الفصائل نفسها، بما فيها فصائل «الإسلام السياسي» نفسه. وما يدعو إلى الحزن والأسى أن يجري ذلك ونحن نرى ونشاهد كل الذين لا يرون، ولا يسمعون، ويولُّون وجوههم عن كل ما يجري، وكأنّ الانتقال من المنافسة المريضة إلى تزييف الوعي الوطني بات أو يكاد من «مسلّمات» الحالة الفلسطينية.