العلامة الباني في مرآة تلميذه
أيمـن ذوالغـنى [1]
اللهم لك الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سُلطانك، سبحانك لا نُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك، والصلاة والسلام على خِيرتك من خلقك وخاتم أنبيائك ورسُلك محمَّد بن عبد الله، وعلى آله الأطهار، وصَحبه الأخيار، ومن تبعَهُم بإحسان. وبعد:
فإن الشيخ عبد الرحمن الباني رجلٌ ملأ الدنيا ذِكرًا حسنًا، فما زلتُ أسمع عنه، وأقرأ عنه، وأُخبَر عنه.. بعد الموت تندبني ! | مركز الإشعاع الإسلامي. حتى رأيتُه ولقيتُه. فلا والله ما كان ما سمعتُ بأطيبَ ممَّا رأيت، ولا كان ما قرأتُ بأزكى ممَّا عاينت، ولا كان ما أُخبِرتُ بأعظمَ مما خَبَرت! كانت مُساءلَةُ الرُّكبانِ تُخبِرُنا
عن جعفَرِ بن فَلاحٍ أطيَبَ الخبَرِ
ثمَّ التقَينا، فلا واللهِ ما سمعَتْ
أُذني بأحسنَ ممَّا قد رأى بصَري
ذلك أن الرجلَ عرف الحقَّ فالتزمه، ورأى الدَّربَ فاعتنقه، وأخلصَ لله قولَه وعملَه. وإذا كان المثل يُضرَب بمن يصدِّق عملُه قولَه فإن الشيخ الباني يصدِّق قولُه عملَه، فالعملُ عنده يسبقُ القول، ويأتي القولُ صدًى له، ومن ثَمَّ كانت أقوالُه مرآةً لما اعتملَ في نفسه من استقامةٍ وصلاح، وتقوًى وفَلاح. وتعود بي الذَّاكرةُ إلى أول مرَّة سمعتُ فيها بأمر الشيخ، كان ذلك من والدي عليه الرحمةُ والرضوان، فقد أثنى عليه أعطرَ الثناء وأزكاه، لمَّا عرَضَ ذِكرُ أخوَيه الشيخ القاضي محمد بشير الباني، والشيخ المربِّي عبد الهادي الباني، رحم الله الجميعَ وغفرَ لهم، وكان يحدِّثنا عنه حديثَ المعجَب باستقامة منهجه، وغزير علمه، وعظيم فضله.
- بعد الموت تندبني ! | مركز الإشعاع الإسلامي
بعد الموت تندبني ! | مركز الإشعاع الإسلامي
ثم توالت الأخبارُ تزيدني حبًّا به، وشوقًا إلى لقائه، وإعجابًا بشمائله وفضائله. وكان أطيبَها عَرفًا وأعظمَها نفعًا ما سمعتُه من شيخنا المحدِّث عبد القادر الأرنؤوط رحمه الله وأعلى في الجنان مقامَه، من أن للشيخ الباني فضلاً عليه لا ينساه؛ إذ بصَّره بمنهج الصَّواب، ولفتَ نظرَه من خلال أسئلة كان يطرحُها عليه بلُطف بالغ، وحبٍّ بادٍ، وشَغَف بالمعرفة ظاهر، إلى أمورٍ وقضايا مهمَّة ما كان يُعيرها اهتمامَه، لا سيَّما في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. كان ذلك بعد كلِّ خُطبة يخطُبها شيخنا الأرنؤوط في مسجد الدِّيوانيَّة بدمشقَ الشام، في الخمسينيَّات من القرن الفائت. وكان لتكرار هذه المساءلات والاستفسارات أكبرُ الأثر في توجُّه الشيخ الأرنؤوط إلى العناية بالحديث النبويِّ الشَّريف وتخريجه وتتبُّع رجاله وتحقيق كتُبه، حتى غدا من أفراد الدنيا في هذا الفنِّ. وشاء الله سبحانه - بعد كلِّ ما سمعتُ - أن ألقى الشيخَ الباني وأجالسَه، وأفيدَ من حاله ومقاله، وكان الفضلُ في ذلك مصروفًا إلى أخي الحبيب وصاحبي القريب الأستاذ أبي أحمد أيمن بن أحمد ذو الغنى ، وهو الحفيُّ بالشيخ الحريصُ على صُحبته الغنيُّ بمعرفته، فما زرتُ الرياض مرَّة إلا جمعَني بالشيخ إن في بيته أو في بيته.
1ـ رغبة النظام المصري والدولة المصرية القائمة في ترميم ما تناثر من شعبيتها في صفوف جماعات الإسلام السياسي والمتعاطفين معها، خاصة بعد ما يشاع عنها صباح مساء، من أنها أصبحت دولة معادية لكل ما هو إسلامي. ولعلها لم تكن مصادفة أن يخرج علينا أحد أقرب الصحفيين المقربين من النظام، وهو حمدي رزق بمقال يشبه حديثا وعظيا بليغا بما حشي به من حديث عن التسامح والإخاء والعفو عمن ظلم والإحسان إلى من أساء، مستدعيا نصوصا دينية ومواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا علينا أن نقتدي بنبينا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العفو والمغفرة واحترام هيبة الموت وجلاله وتنفيذ وصية الشيخ في إعادة جثمانه إلى أرض الوطن! 2ـ محاولة رد بعض الهيبة للدبلوماسية الخارجية المصرية بعد إخفاقاتها المتكررة في قضايا متعددة مثل سد النهضة، وقضية تيران وصنافير، وتسريباتها التي أتت على ما تبقى من احترام لها في نفوس المصريين، فجاءت قضية استعادة جثمان عمر عبد الرحمن بمثابة قبلة الحياة لهذه السياسة الخارجية المهترئة التي تمدها ببعض المقويات التي تضمن لها بعض التقدير والاحترام إلى حين، وإلا فأي دليل أقوى من قدرة الخارجية المصرية على استعادة جثمان أحد أشهر الإسلاميين (الإرهابيين على حد تعبيرهم) العالميين من أقوى دولة في العالم، وفضلا عن ذلك تم الأمر في يسر وسهولة بالغين!