المسبب وهو طلبها من عنده أي اكتسابها منه بالعبودية التي لا تحصل إلا بالايمان والعمل الصالح. قوله تعالى: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " الكلم - كما قيل - اسم جنس جمعي يذكر ويؤنث، وقال في المجمع: والكلم جمع كلمة يقال؟ هذا كلم وهذه كلم فيذكر ويؤنث، وكل جمع ليس بينه وبين واحدة إلا الهاء يجوز فيه التذكير والتأنيث انتهى. والمراد بالكلم على أي حال ما يفيد معنى تاما كلاميا ويشهد به توصيفه بالطيب فطيب الكلم هو ملاءمته لنفس سامعه ومتكلمه بحيث تنبسط منه وتستلذه وتستكمل به وذلك إنما يكون بإفادته معنى حقا فيه سعادة النفس وفلاحها. القرآن الكريم - تفسير القرطبي - تفسير سورة فاطر - الآية 10. وبذلك يظهر أن المراد به ليس مجرد اللفظ بل بما أن له معنى طيبا فالمراد به الاعتقادات الحقة التي يسعد الانسان بالاذعان لها وبناء عمله عليها والمتيقن منها كلمة التوحيد التي يرجع إليها سائر الاعتقادات الحقة وهي المشمولة لقوله تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " إبراهيم: 25 وتسمية الاعتقاد قولا وكلمة أمر شائع بينهم. وصعود الكلم الطيب إليه تعالى هو تقربه منه تعالى اعتلاء وهو العلي الاعلى رفيع الدرجات، وإذ كان اعتقادا قائما بمعتقده فتقربه منه تعالى تقرب المعتقد به منه، وقد فسروا صعود الكلم الطيب بقبوله تعالى له وهو من لوازم المعنى.
- اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
- اعراب اليه يصعد الكلم الطيب
- اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح
اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في الآية، قال: لا يقبل قول إلا بعمل، وقال الحسن: بالعمل قبل الله. وأخرج ابن المبارك عن قتادة: والعمل الصالح يرفعه قال: يرفع الله العمل الصالح لصاحبه. اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي "في الشعب" عن الحسن [ ص: 261] قال: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتخلي، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، من قال حسنا وعمل غير صالح رده الله على قوله، ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل؛ ذلك لأن الله قال: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس ، أنه سئل: أيقطع المرأة والكلب والحمار الصلاة؟ فقال: إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فما يقطع هذا، ولكنه مكروه.
اعراب اليه يصعد الكلم الطيب
ولولا الإطالة لنقلنا كلام الأئمة في استدلالهم بهذه الآية. ثالثا: الكلام يصعد إلى الله تعالى
الكلام يصعد إلى الله تعالى كما أخبر سبحانه، وقد جاء تفسير ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه يصعد به الملَك، وهذا تفسير له حكم الرفع. روى ابن جرير في تفسيره (20/ 444)، والطبراني في "الكبير" (9/ 233)، والحاكم في "المستدرك" (3589)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (667) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: " إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك في كتاب الله: إن العبد إذا قال: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وتبارك الله، قبض عليهن ملك ، فضمهن تحت جناحه ، وصعد بهن ، لا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الرحمن، ثم تلا عبد الله إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه [فاطر: 10]. وصححه الحاكم وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٧ - الصفحة ٢٣. والإسناد حسن، مداره على: عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي، روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وتوفي سنة ستين ومائة. قال فيه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (3919): " صدوق اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط" انتهى.
اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح
ثم أن الاعتقاد والايمان إذا كان حق الاعتقاد صادقا إلى نفسه صدقه العمل ولم يكذبه أي يصدر عنه العمل على طبقه فالعمل من فروع العلم وآثاره التي لا تنفك عنه، وكلما تكرر العمل زاد الاعتقاد رسوخا وجلاء وقوي في تأثيره فالعمل الصالح وهو العمل الحري بالقبول الذي طبع عليه بذل العبودية والاخلاص لوجهه الكريم يعين الاعتقاد الحق في ترتب أثره عليه وهو الصعود إليه تعالى وهو المعزي إليه بالرفع فالعمل الصالح يرفع الكلم الطيب. فقد تبين بما مر معنى قوله: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وأن ضمير " إليه " لله سبحانه والمراد بالكلم الطيب الاعتقاد الحق كالتوحيد، وبصعوده
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة:
««
«...
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28...
»
»»
قال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله في "شرح الطحاوية" (2/ 612) بعد ذكر أحاديث وزن الأعمال:
" فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام!! فإن الله يقلب الأعراض أجساما، كما تقدم، وكما روى الإمام أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالموت كبشا أغر، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال، يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، ويقال: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، ويرون أن قد جاء الفرج، فيذبح، ويقال: خلود لا موت. ورواه البخاري بمعناه. فثبت وزن الأعمال والعامل وصحائف الأعمال، وثبت أن الميزان له كفتان. والله تعالى أعلم بما وراء ذلك من الكيفيات" انتهى. اليه يصعد الكلم الطيب و العمل الصالح. ثم ليسأل من ينكر انتقال الأعراض: ألا ينتقل الصوت، والضوء، وتقاس سرعة الأشياء اليوم بسرعة: الصوت ، والضوء ، وهي أعراض ؟! خامسا:
إذا تذرع متذرع بأن الكلام عرض لا يصعد ليبطل الاستدلال بهذه الآية على العلو، فماذا يقول في صعود الملائكة إلى الله وهي أجسام؟! قال تعالى: ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) المعارج/4
وروى البخاري (555)، ومسلم (632) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ).
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10) قوله تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور. قوله تعالى: من كان يريد العزة فلله العزة جميعا التقدير عند الفراء: من كان يريد علم العزة. اعراب اليه يصعد الكلم الطيب. وكذا قال غيره من أهل العلم. أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها; لأن العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة ، والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل. ( جميعا) منصوب على الحال. وقدر الزجاج معناه: من كان يريد بعبادته الله - عز وجل - العزة - والعزة له سبحانه - فإن الله عز وجل يعزه في الآخرة والدنيا. قلت: وهذا أحسن ، وروي مرفوعا على ما يأتي ( فلله العزة جميعا) ظاهر هذا إيئاس السامعين من عزته ، وتعريفهم أن ما وجب له من ذلك لا مطمع فيه لغيره; فتكون الألف واللام للعهد عند العالمين به سبحانه وبما وجب له من ذلك ، وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس: ولا يحزنك قولهم إن العزة لله.