قام سليمان بتعيين خزيمة والياً على منطقة الجزيرة، وعندما وصل هناك نزل في دار الإمارة، وأمر بمحاسبة عكرمة الوالي السابق، فبقيت ديونٌ كثيرة عليه، مما دفع خزيمة إلى تكبيله بالسلاسل، وحبسه، الأمر الذي ألحق الضرر والأذى به، وعندما سمعت زوجة عكرمة ما حل به، انطلقت إلى خزيمة وقالت له: هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟! فقال خزيمة: واسوأتاه، هل هذا هو غريمي؟! انطلق خزيمة إلى مكان حبس عكرمة، ففك قيوده، وأقبل على رأسه يقبل فيه، وأمر أن توضع القيود والسلاسل في رجليه ليعاقب نفسه، وليناله ذات الضرر الذي نال عكرمة، فأقسم عليه أن لا يفعل ذلك، حيث خرج الاثنان معاً، وذهبا إلى سليمان، فدخل عليه خزيمة وقال له أنه وجد جابر عثرات الكرام، فسأله سليمان عن هويته، فأجابه: عكرمة الفياض. أعطى سليمان لعكرمة عشرة آلاف دينار، وعيّنه والياً على الجزيرة، وأذربيجان، بالإضافة إلى أرمينيا، وبقي يعمل مع خزيمة لصالح سليمان بن عبد الملك طوال فترة خلافته.
- جابر عثرات الكرام - قصة نُبلٍ وجُودٍ ووفاء. (مهارات القراءة). | مواقع أعضاء هيئة التدريس
- أنقذه من الفقر عندما كان والياً .. فلما أصبح مكانه سجـ.ـنه بسبب كرمه.. قصّة “جابر عثرات الكرام” مع خزيمة والخليفة الأموي سليمان! - أوطان بوست
جابر عثرات الكرام - قصة نُبلٍ وجُودٍ ووفاء. (مهارات القراءة). | مواقع أعضاء هيئة التدريس
فقال عكرمة الفياض: فما وجد خزيمة بن بشر مواسيا ولا مكافئا؟
فلما كان الليل عمد إلى أربعة آلاف دينار فجعلها في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سراً من أهله، فركب ومعه غلام واحد يحمل المال، ثم سار حتى وقف بباب خزيمة، فأخذ الكيس من الغلام، ثم أبعده عنه، وتقدم إلى الباب فطرقه بنفسه، فخرج خزيمة فقال له: أصلح بهذا شأنك، فتناوله فرآه ثقيلا، فوضعه وقبض على لجام الدابة وقال له: من أنت جُعلت فداك؟ قال له: ما جئت في هذا الوقت وأنا أريد أن تعرفني، قال خزيمة: فما أقبله أو تخبرني من أنت؟ قال: أنا جابر عثرات الكرام، قال: زدني، قال: لا، ثم مضى. ودخل خزيمة بالكيس إلى امرأته فقال لها: أبشري فقد أتى الله بالفرج، فلو كان في هذا فلوس كانت كثيرة، قومي فاسرجي، قالت: لا سبيل إلى السراج، فبات يلمس الكيس فيجد تحت يده خشونة الدنانير. ورجع عكرمة إلى منزله فوجد امرأته قد افتقدته، وسألت عنه، فأُخبرت بركوبه منفرداً، فارتابت، فلما رآها تلك الحالة قال لها: ما دهاك يا ابنة العم؟ قالت: سوء فعلك بابنة عمك، أمير الجزيرة لا يخرج بعد هدأة من الليل منفرداً عن غلمانه في سرّ من أهله إلا إلى زوجة أو سريّة؟ فقال: لقد علم الله ما خرجتُ لواحدة منهما، قالت: لابد أن تُعلمني، قال: فاكتميه إذاً، قالت: أفعل، فأخبرها بالقصة على وجهها.
أنقذه من الفقر عندما كان والياً .. فلما أصبح مكانه سجـ.ـنه بسبب كرمه.. قصّة “جابر عثرات الكرام” مع خزيمة والخليفة الأموي سليمان! - أوطان بوست
تبدل الحال بين خزيمة وعكرمة ذهب خزيمة إلى الخليفة سليمان بن عبد الملك، ولما وصل إليه سأله: ما الذي جعلك تتأخر علينا، فحدثه خزيمة بما حل به، وكيف مر زائر الليل وأنقذه من محنته المالية. فسأله الملك: هل تعرفه؟ فأجاب خزيمة: لا يا مولاي كان متستراً وما سمعت منه، إلا أنه جابر عثرات الكرام، فتشوق الخليفة سليمان بن عبد الملك لمعرفة هذا الكريم ذو الشهامة والمروءة والجود. بعد ذلك اسند الملك مهمة والي الجزيرة لخزيمة، وعزل عكرمة الفياض عن عمله، ولما جاء إلى الجزيرة نزل في دار الإمارة، ولما وجد أن ثمة هناك ديون كثيرة على الولاية. الكشف عن هوية جابر عثرات الكرام بعد ذلك دخل عكرمة الفياض السـ. ـجن، ولما بقيّ فيه لمدة تجاوزت الشهر، ازداد حزن زوجته عليه، فقالت لإحدى الجواري أريدك أن تذهبي إلى مكان إقامة الوالي خزيمة، وأن تطلبي الحديث إليه دون أن يسمع أحد بما ستقولينه له. وعندما تتأكدين من عدم وجود أحد قولي له: "هل هذا جزاء جابر عثرات الكرام؟". فقامت الجارية بفعل ما قالته لها زوجة عكرمة، فلما سمع منها خزيمة ذلك، انطلق مسرعاً نحو سـ. ـجن عكرمة، فدخل إليه ووجد عليه علامات الوهن والضعف. فتقدم نحوه وقبل جبينه وقال له: كريم فعالك وسوء مكافأتي، فرد عكرمة: غفر الله لنا ولك، ثم خرجا إلا أن وصل عكرمة إلى بيته، فقدم خزيمة الاعتذار لعكرمة وزوجته.
روى صاحب كتاب "عيون الأخبار" في الجزء الأول صفحة ثلاثمائة وتسع وثلاثين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متّكأ". وهذا من جميل ما قيل في أهل المعروف، وجميل صنع الله بهم، وحفظ الله لهم، ومن تتبع مثل هذا وقف على عجيب من المواقف والقصص. ومن جميل وعجيب ما ذكر في هذا الباب ما ذكره ابن حجة الحموي في كتابه "ثمرات الأوراق" (151-153)، وذكره أيضا التنوخي في "المستجاد من فعلات الأجواد" (6-8).. وقد ذكره أيضا أبو الحسن بن هذيل في كتاب "عين الأدب والسياسة وزين الحسب والسياسة" صفحة 199 مع اختلاف في الشخصيات، فذكروا جميعا ما خلاصته:
أنه كان في أيام سليمان بن عبد الملك رجل من بني أسد يقال له "خزيمة بن بشر"، وكان مشهورا بالمروءة والكرم والمواساة، وكانت نعمته وافرة، فلم يزل على تلك الحالة حتى احتاج إلى إخوانه الذين كان يواسيهم ويتفضل عليهم، فواسوه حينا ثم ملوه، فلما لاح له تغيرهم أتى امرأته ـ وكانت ابنة عمه ـ فقال لها: يا بنت العم! قد رأيت من إخواني تغيُّرا، وقد عزمت على لزوم بيتي إلى أن يأتيني الموت، ثم أغلق بابه عليه، وأقام يتقوت بما عنده حتى نفد، وبقي حائرا في حاله. وكان عكرمة الفياض (سمي بذلك لفرط كرمه) واليا على الجزيرة، فبينما هو في مجلسه، إذ جرى ذكر خزيمة بن بشر، فقال عكرمة: ما حاله؟ فقالوا: صار في أسوأ الأحوال، وقد أغلق بابه، ولزم بيته.