وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) القول في تأويل قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28) يقول تعالى ذكره: والله الذي ينـزل المطر من السماء فيغيثكم به أيها الناس ( مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) يقول: من بعد ما يئس من نـزوله ومجيئه. وهو الذي ينزل الغيث من بعد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: أجدبت الأرض, وقنط الناس, قال: مطروا إذن. حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: ( مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا) قال: يئسوا. حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فقال: يا أمير المؤمنين قحط المطر, وقنط الناس قال: مطرتم ( وَهُوَ الَّذِي يُنـزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ).
- القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 28
- إعراب قوله تعالى: وهو الذي ينـزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الآية 28 سورة الشورى
القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة الشورى - الآية 28
المسألة الثالثة: احتج أهل التناسخ بهذه الآية ، وكذلك الذين يقولون إن الأطفال والبهائم لا تتألم ، فقالوا: دلت الآية على أن حصول المصائب لا يكون إلا لسابقة الجرم ، ثم إن أهل التناسخ قالوا: لكن هذه المصائب حاصلة للأطفال والبهائم ، فوجب أن يكون قد حصل لها ذنوب في الزمان السابق ، وأما القائلون بأن الأطفال والبهائم ليس لها ألم ، قالوا: قد ثبت أن هذه الأطفال والبهائم ما كانت موجودة في بدن آخر لفساد القول بالتناسخ فوجب القطع بأنها لا تتألم إذ الألم مصيبة. والجواب: أن قوله تعالى [ ص: 149]: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) خطاب مع من يفهم ويعقل ، فلا يدخل فيه البهائم والأطفال ، ولم يقل تعالى: إن جميع ما يصيب الحيوان من المكاره فإنه بسبب ذنب سابق ، والله أعلم. المسألة الرابعة: قوله ( فبما كسبت أيديكم) يقتضي إضافة الكسب إلى اليد ، قال: والكسب لا يكون باليد ، بل بالقدرة القائمة باليد ، وإذا كان المراد من لفظ اليد ههنا القدرة ، وكان هذا المجاز مشهورا مستعملا كان لفظ اليد الوارد في حق الله تعالى يجب حمله على القدرة تنزيها لله تعالى عن الأعضاء والأجزاء ، والله أعلم.
إعراب قوله تعالى: وهو الذي ينـزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الآية 28 سورة الشورى
إن هذا السحب يوم تجتمع بعد تفرق، وتتلاحم بعد تشتت كأنما تنبئونا بعجز الإنسان مهما بلغ من التقدم والتحضر، فلم ولن يستطيع هذا الإنسان أن يستخرج من السماء قطرة واحدة إلا بإذن الله تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}. تأمل يا عبدالله عظمة الخالق مع حصول الغيث، فجميع خزائنَ السحابِ الثقالِ محصيَّةٌ في علمِ الله تعالى، تأملْ في قطرات الأمطار، وتمعَّن في اشتداد صبِّها، ثم استشعرْ حينَها ومعها أنَّ كلَّ قطرةٍ وإن دقَّتْ فقد عَلِمَ ربُّنا سبحانه حركتَها ونزولَها ومستقرَها، { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا}
هذه الأمطار تحمل في طياتها النعم وربما يكون معها النقم ، قد تأتي بالمنح وربما تحل في إثرها المحن ، فوجود نعمة المطر أو حرمانها ليس علامة على رضا أو غضب من الله. لقد امتُحِنَ خيرُ القرونِ بالجفاف والمجاعات، وأغدق سبحانه على أمم تطاول
عليهم الكفر أزماناً بالنعم والخيرات:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُون}.
نعم. هذه الأمطار في أصلها رحمة ونعمة ، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى قد يجعلها نقمة على أهلها ، فيكون هلاكهم وخرابهم بجند المطر ، وفي قصص القرآن دعا العبد الشكور نوح عليه السلام: { أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} ، فكان الجواب: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}. وها نحن نرى اليوم فياضانات مدمرة ، وأعاصير مروِّعة تقتلع وتَنْسِف، وتهدم وتُتْلِف، ولا شك أنَّ هذه نقم توجب يقظةَ القلوب، وعودتَها إلى علام الغيوب. هذا الغيث برعوده وبروقه يقلِّبُ العبادَ ما بين طمع وخوف ، فإذا رأو بوادر الغيث ووضحت ، فرحوا وطمعوا ، وإذا بَرَقَتْ المُزْنُ ورَعَدَتْ ، خافوا وذَعَرُوا. وهو الذي ينزل الغيث خطبة. وهذه آية وعبرة جعلها الله لأهل الأرض، إن هذه السحب حين ترعد رعدتها كأنما هي رسالة من السماء لتعظيم الملك ، وقَدْرِه حقَّ قَدْرِه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا}
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية
أما بعد فيا إخوة الإيمان:
ومع تتابع القطر والمطر تزدان الأجواء، فيعتاد البعض الخروج حينها لِرُؤْيَةِ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ وَهِيَ تَجْرِي بِالمَاءِ،،
وترويح النفس والاستمتاع بجمال الطبيعة والهواء ونعمة الماء من المباحات ولا إشكال.