مقتضى اسم الله الرقيب وأثره:
اسم الله الرقيب من الأسماء التي تغرس في قلب العبد مراقبةَ الله تعالى في الأقوال والأعمال، في السر والعلن، قال عبدالله بن المبارك لرجل: راقب الله تعالى، فسأله عن تفسيرها فقال: "كن أبدًا كأنك ترى الله عزَّ وجلَّ" ( إحياء علوم الدين للغزالي). فاستحضار معاني اسم الله الرقيب له أثرٌ في استقامة المسلم، فمتى ما علم المسلم وأيقن بأن الله يراقبه ويطَّلع عليه، أقبَلَ على الطاعات، وابتعد عن المعاصي والسيئات؛ رغبةً في ثواب الله وفضله، ورهبةً من عذابه وعقابه. قال ابن القيم: "المراقبة هي التعبُّد بأسمائه تعالى: الرَّقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير؛ فمن عَقَلَ هذه الأسماء وتعبَّدَ بمقتضاها، حَصَلتْ له المراقبة" ( مدارج السالكين لابن القيم).
معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الرقيب)
سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (16)
اسم الله الرقيب (1)
انتهينا - في المناسبة السابقة - من الجزء الثاني من شرح اسم الله "الحليم"، ضمن سلسلة شرح أسماء الله الحسنى في عددها الخامس عشر. فعرفنا أن من علم أن له ربًّا حليماً على من عصاه وخالف أمره، وجب عليه أن يمتثل أثر الإيمان بهذا الاسم، فيحلُم بدوره على من خالفه، وعصى أمره، أو ربما ظلمه وأساء إليه. وتبينا أن تمثل مقتضيات هذا الاسم، يكسر سورة الغضب، ويطفئ جذوة الانتقام، ويكسب النفس طمأنينة، والقلب هدوءا، والصدر انشراحا. ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]. اسم الله الرقيب - YouTube. ونريد - اليوم إن شاء الله تعالى - أن نطرق اسماً آخر من أسماء الله البديعة، ونعتاً آخر من نعوته الجليلة، مما لو عرفنا حقيقته، واستجلينا عظمته، انضبطت أفعالنا، وصدقت أقوالنا، وحسنت تصرفاتنا، واستقامت علاقاتنا. ولما ساءت أحوال بعضنا، ولا كثرت الخصومات بين كثير منا، ولا انتشرت الاعتداءات في صفوف بعض شبابنا، ولا سمعنا عن أخبار الاعتداءات والتجاوزات في حق بعضنا، ولا عرف أكلُ أموال الناس بالباطل من سرقة، ورشوة، وتزوير، وتحايل، طريقا إلى أخلاقنا. إنه اسم الله " الرقيب "، الذي يرقب كل شيء ويحفظه، ويعلم كل شيء ويخبُرُه.
- قال القرطبي في "الأسنى شرح الأسماء الحسنى": "(رقيب) بمعنى: رَاقِب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصَرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه الـمُدرِكِ لكل حركة وكلام، فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رِقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفيَّ عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمطٍ واحدٍ، في أنها تحت رِقبته التي هي من صفته". معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الرقيب). مَنْ عَلِم أن الله عز وجل عليه رقيب، ومشاهِد له في كل حركةِ من حركاته، وأن من أسمائه سبحانه (الرقيب)، حصلت له المراقبة، فمن أعظم حظوظ وأحوال المؤمن من اسم الله (الرقيب) مراقبة الله تعالى في سره وعلانيته. قال البيضاوي في "تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة" في حظ العبد من اسم الله (الرقيب): "أن يراقب أحوال نفسه، ويأخذ حذره من أن ينتهز الشيطان منه فرصة، فيهلكه علي غفلة فيلاحظ مكامنه ومنافذه، ويسد عليه طرقة ومجاريه". وفي "شرح البخاري للسفيري ": "وكان الفضيل رحمه الله تعالى يقول: يا مسكين تغلق بابك وترخي سترك وتستحي من الناس ولا تستحي من الملكين الذين معك، ولا تستحي من القرآن الذي في صدرك، ولا تستحي من الجليل سبحانه وتعالى وهو لا يخفي عليه خافية".
اسم الله (الرقيب) جل وعلا - عبد الرحمن سعيد القحطاني
وهذا القُرب والدُّنو من الله تعالى؛ يَبثُّ في القلب سُروراً عظيماً. قال الإمام ابن القيم: فإنَّ سُرور القلب بالله وفرحه به، وقرّة العين به، لا يُشبهه شيءٌ من نعيم الدنيا ألبتة، وليس له نظر يُقاس به، وهو حالٌ من أحوال الجنة، حتى قال بعض العارفين: إنه لتمرُّ بي أوقاتٌ أقول فيها: إنْ كان أهلُ الجنة في مِثْل هذا، إنهم لفي عيشٍ طيّب. ولا ريب أنَّ هذا السُّرور؛ يبعثه على دوام السَّير إلى الله عزّ وجل، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مَرْضاته. ومَنْ لم يجدْ هذا السُّرور، ولا شيئاً منه؛ فليتّهم إيمانه وأعمَاله، فإنَّ للإيمان حَلاوة؛ مَنْ لم يَذقها؛ فليَرجع وليقتبس نوراً؛ يجد به حلاوة الإيمان. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذَوْق طَعم الإيمان؛ ووَجَد حَلاوته، فذَكر الذَّوق والوجد، وعلّقه بالإيمان؛ فقال: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبّاً، وَبِالإسْلاَمِ ديناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً". وقال صلى الله عليه وسلم: " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وَجدَ حَلاوةَ الإيمانِ: مَن كانَ اللهُ ورسُولهُ أحبَّ إليهِ مما سواهما، ومَنْ كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّهُ إلاَّ لِلَّه، ومَن يَكرهُ أنْ يَعودَ في الكُفْرِ- بَعْدَ إذ أنْقَذَهُ اللهُ منهُ – كما يَكْرَهُ أنْ يُلقى في النَّارِ" قال: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدَّس الله روحه – يقول: إذا لم تجدْ للعمل حلاوةً في قلبك وانْشراحاً؛ فاتهمه، فإنَّ الربّ تعالى شُكورٌ.
فماذا حصل؟! أقول: لا تتعجب فإن هذه المتاجر العملاقة تحرص على وضع "كاميرات مراقبة» في كل زاوية من زواياها، فلما تعطل عملها بانقطاع التيار الكهربائي وقعت السرقات! فإنها ليست أمانة العملاء ولا الثقة في العملاء -كما يقولون- لكن من الناس من لا يراقب الله، لكنه يراقب أعين الناس! فإذا غفل الرقيب البشري اقترفوا الفواحش والمعاصي لا يتورعون عن شيء منها!
اسم الله الرقيب - Youtube
نموذج للمراقبة: 2- إذا فَرَغ العبد من فريضة الصُّبح، ينبغي أنْ يفرغ قلبه ساعةً؛ لمشارطة نفسه؛ فيقول للنفس: مالي بضاعة إلا العُمر، فإذا فنِي منِّي رأس المال، وقع اليأس من التجارة؛ وطلب الربح. وهذا اليوم الجديد؛ قد أمْهلني الله فيه، وأخَّر أجلي؛ وأنعم عليَّ به، ولو توفّاني لكنتُ أتمنى أنْ يُرجعني إلى الدنيا حتى أعمل صالحاً. فاحْسبي يا نفسُ أنك قد تُوفيت، ثم رُددت، فإياكِ أن تُضيّعي هذا اليوم. 3- وينبغي أنْ يراقب الإنسان نفسه؛ قبل العمل، وفي العمل؛ هل حرَّكه عليه هوى النفس، أو المحرِّك له هو الله تعالى خاصة؟ فإن كان الله تعالى أمضاه، وإلا تركه، وهذا هو الإخْلاص. قال الحسن: رحم الله عبداً وقف عند همّه، فإنْ كان لله مَضَى، وإنْ كان لغيره تأخّر. فهذه مراقبة العبد في الطاعة، وهو أنْ يكون مخلصاً فيها. ومراقبته في المعصية؛ تكون بالتوبة والندم والإقلاع، ومراقبته في المباح؛ تكون بمراعاة الأدب، والشكر على النعم، فإنّه لا يخلو من نعمةٍ؛ لا بد له من الصَّبر عليها، وكلُّ ذلك لا يخلو من المراقبة. 4- المُراقبة تُثْمر السعادة والانشراح؛ وقرّة العين: لا شك أنّ المراقبة تحتاج إلى حُضور القلب؛ بين يدي الله سبحانه، وعدم الانْشغال عنه، سواء في العبادة أو خارجها، وإلى امتلاء القلب بعظمة الله عز وجل؛ ومحبته.
قال ابن القيم: "المراقبة هي التعبُّد بأسمائه تعالى: الرّقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير؛ فمن عَقَلَ هذه الأسماء وتعبّد بمقتضاها حَصَلتْ له المراقبة
معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الرقيب) - الدليل: قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [ النساء: ١]. وقال تعالى على لسان نبيه عيسى عليه السلام: { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [ المائدة: ١١٧]. - المعنى: معنى الرقيب، أي: المراقب، والمطَّلع على أعمال العباد، والعالم بأحوالهم، سرِّهم وعلانيتهم، والحافظ الذي لا يغيب عنه شيء من أمور خلقه. ويأتي الرقيب بمعنى الشهيد ، قال ابن سعدي: "الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى، وهما مترادفان، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجليّة والخفيّة، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحرّكتْ به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان".