ورواه النسائي ، وابن ماجه من حديث سفيان - وهو الثوري - به وقال محمد بن إسحاق: جاء مالك الأشجعي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: له أسر ابني عوف. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أرسل إليه أن رسول الله يأمرك أن تكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله ". وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه ، فخرج ، فإذا هو بناقة لهم فركبها ، وأقبل فإذا بسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم ، فاتبع أولها آخرها ، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب ، فقال أبوه: عوف ورب الكعبة. فقالت أمه: واسوأتاه. وعوف كيف يقدم لما هو فيه من القد - فاستبقا الباب والخادم ، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا فقص على أبيه أمره ، وأمر الإبل ، فقال أبوه: قفا حتى آتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسأله عنها. القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة الطلاق - الآية 2. فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بخبر عوف ، وخبر الإبل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اصنع بها ما أحببت ، وما كنت صانعا بمالك ". ونزل: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) رواه ابن أبي حاتم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن هشام بن حسان ، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من انقطع إلى الله كفاه الله كل مئونة ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله إليها "
و من يتق الله يجعل له مخرجا للرزق
ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. فصــل في تفسير قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ ... - ابن تيمية - طريق الإسلام. فلقد جاء الأمر بالتقوى في كتاب الله تبارك وتعالى مرارًا عدة مكررًا أحيانًا، وهذا يدلُّ على أهميتها في حياة المسلم، بل إن الحياة بلا تقوى هي حياة المشاكل المتنوعة المتكاثرة؛ لأن التقوى هي المَخرَج من المآزق والمشاكل، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]. إن الخطيب والواعظ والمحاضر والمذيع وما يماثلهم من التربويين والدعاة يكثرون من قولهم لنا: اتقوا الله، فماذا أثَّرت تلك الكلمةُ على جوارحنا وسلوكنا؟ حيث إنه من المفترض أن الأُذن إذا سمعت تلك الكلمة في آية أو حديث أو غيرهما ينبغي أن تبقى في الذهن برهةً من الزمن؛ لتتصحح الأعمال والأقوال لدى المستمع. فاتقِ الله تبارك وتعالى في سماعك أخي الكريم لكلمة "اتقوا الله"، وأَنزِلْها منزلتها؛ فهي رأس الأمر وعموده، فلو اتقى اللهَ تعالى المغتابُ والمُرابي والعاق والفاسق ونحوهم، لترَكوا تلك المعاصيَ. إن هذه الكلمة العظيمة "اتقوا الله" يعرِّفها طلق بن حبيب رحمه الله بقوله: "هي أن تعمل ما أمر الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله"، ويعرِّفها آخرون: "هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً؛ بفعل الأوامر وترك النواهي".
و من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه
ويجوز أن يكون كلاما جيء به على نهج الاستطراد، عند ذكر قوله تعالى: ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله... إلى آخره. فالمعنى: ومن يتق الله في كل ما يأتي وما يذر، يجعل له مخرجا ومخلصا من غموم الدنيا والآخرة، فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجا أوليا. عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قرأها، فقال: مخرجا من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة. و من يتق الله يجعل له مخرجا للرزق. اهـ. وعلى كال حال: فإن الآية لا تقتضي أن حصول الرزق من الوجه الذي يحتسبه العبد عقوبة، وأنه ينافي التقوى والتوكل على الله! ولا تفيد أن حصول الرزق للعبد من وجه لا يحتسبه، دليل على تحقيقه للتقوى والتوكل! بل كل ما في الآية -على القول بعمومها- أن التقوى سبب لرزق العبد من أوجه لا يحتسبها ولا يقدرها، لا أن كل رزق يناله المتقي يكون من حيث لا يحتسب، ولا أن كل من رزق من حيث لا يحتسب، فهو متق لله! والله أعلم.
و من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث
أسأل الله تبارك وتعالى الهداية والصلاح للجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومن اتَّصف بهذه الصفة، وهذا العمل المكمِّل للعمل، وابتغاء وجه الله في ذلك فإنَّه يكون في مأمنٍ من الفتن، وإنَّما يقع في الفتنة من جهل، وقلَّت مخافته من الله تعالى، وابتغى غير وجه الله في عمله. 5- تنقية الطمع والغضب: وهي من أبرز صفات المتَّقين، حيث إنَّهم يمارسون التوحيد الخالص لله تعالى، ولا يُدخِلون إلى قلوبهم أحدٌ غيره، كما قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وجعلها رسولنا صلى الله عليه وسلم سنَّةً في افتتاح كلِّ صلاة، عندما رغَّبنا بأن نقول: "قل إنَّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين". قصة آية – (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) | اسلاميات. وبالتالي يكون كلُّ ما يقومون به نقيًّا إلا من الله تعالى، سلوكهم وقلوبهم ومعاملاتهم، وممَّا يذكره بكر بن عبد الله المُزنيِّ عن المؤمن أنَّه: "لا يكون تقيًّا حتى يكون نقيَّ الطمع نقيَّ الغضب". فلا يغضب إلا لله تعالى، ولا يطمع بشيءٍ من زينة الدنيا، وإنَّما يقصر طمعه لما عند الله من النعيم، فكلَّما رأى من جواذب الدنيا شيئاً تذكر أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وكلَّما أغضبه شيءٌ من أمور الدنيا، تذكَّر أنها لا تستحق أن يغضب لها وهي زائلة، فهو في تنقيةٍ دائمةٍ لغضبه وطمعه وسلوكه ومعاملاته، حتى يبقى على التوحيد الخالص لله تعالى.