الشيخ عبدالله عمران - سورة الحجر "فاصدع بما تؤمر" - YouTube
فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكما أن الأثر السابق لا يصح، فكذلك هذا لا يصح، "وعن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء: أن جبريل.. إلى آخره"، وجاء أيضًا بنحوه عن ابن عباس - ا- عند أبي نعيم ولكن بإسناد حكم عليه بالوضع، ولا يوجد من الآثار التي تشبه هذا ما هو أحسن حالًا وأقوى سندًا، ومجموع هذه الروايات يدل على أن لذلك أصلًا، والله أعلم. وقوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [سورة الحجر:97-98] أي: وإنا لنعلم يا محمد أنك يحصل لك من أذاهم لك ضيق صدر وانقباض فلا يهيدنّك ذلك ولا يثنينك عن إبلاغك رسالة الله، وتوكل عليه فإنه كافيك وناصرك عليهم، فاشتغل بذكر الله وتحميده وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة، ولهذا قال: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. فاصدع بما تؤمر واعرض عن الجاهلين. قوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ، كقوله: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ [سورة الأنعام:33] وكقوله: فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [سورة الكهف:6]، وقوله: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ [سورة هود:12] الآية، فهذه الآيات ونظائرها تدل على هذا المعنى، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ.
واستشهد لقوله ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلَّب:
أمَرْتُكَ أمْرًا جازِما فَعَصَيْتَني... فأصْبَحْتَ مَسلُوبَ الإمارَةِ نادِما [[البيت شاهد على أنه يقال أمرتك أمرا، وأمرتك بأمر، فيجوز أن يتعدى الفعل بنفسه وبالباء. ]] فقال أمرتك أمرا، ولم يقل: أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالى: ذكره: ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ﴾ ولم يقل: بربهم، وكما قالوا: مددت الزمام، ومددت بالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام. وأما قوله ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ ويقول تعالى ذكره لنبييه ﷺ: بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قيل أن يفرض عليه جهادهم، ثم نَسَخَ ذلك بقوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. كما:-
⁕ حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ وهو من المنسوخ. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين سبب النزول. ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ و ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه ﷺ أن يكون ذلك منه، ثم أمره بالقتال، فنَسَخَ ذلك كله، فقال: ﴿خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ﴾... الآية.
فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين سبب النزول
فلم يكن عدمُ فهمهم دليلا على خطأ ذلك الصدع, ولا دليلا على خطإ في أسلوبه, ولا خطإ في توقيته ؛ لأن سوء الفهم إحدى السُنن المتكرّرة للصدع بالحق, ولأن سوءَ الفهم نتيجةٌ متوقَّعَةٌ له, وينبغي أن يكون ذلك واضحا عند الصادع بالحق، قبل قيامه بواجبه ؛ وإلا فسوف يُصاب بصدمة كبيرة, تُفقده الثقة بنفسه ، وبقدرته على البلاغ. إن واجب إبلاغ الإسلام للعالمين يقع على عواتق المسلمين الذي اعتنقوا هذا الدين حبا ً وكرامة ، وعلى هذا تكون الدعوة إلى الله تعالى واجبة في حق كل مسلم على هذه الخليقة في كل زمان من الأزمان ، كما كانت حق واجب على الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ، فأنت مسلم ، إذن فأنت داعية. ولم يكتف الله تعالى بالأمر بالإعراض عن المشركين، بل أتم نعمته بأن كفى المؤمنين إياهم بقوله: ( إنا كفيناك المستهزئين) ، إذ أن أكثر ما يؤثر على الدعاة في دعوتهم، ويكلم نفوسهم ، أولئك الذين يطلقون حداد ألسنتهم اســتهزاء ً بهم وبما يفعلون.
آخر تفسير سورة الحجر، والحمد لله رب العالمين. وذكره الحافظ –أيضا- في البداية والنهاية (3/105)، وابن هشام في السيرة (2/256). رواه الإمام أحمد في المسند برقم (22469)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4342). رواه الإمام أحمد في المسند برقم (17390)، وقال محققوه: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير نعيم بن همار، فقد روى له أبو داود والنسائي، وهو في قول الجمهور صحابي، وعده العجلي تابعياً، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2794). فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ - الإيمان أولاً. رواه البخاري، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، برقم (2541). رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً، برقم (4398)، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم، برقم (2041)، والنسائي، كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج، برقم (3432)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3512). رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه، برقم (1186). رواه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب، برقم (1066).
فاصدع بما تؤمر وأعرض
والربابة بكسر الراء: خرقة تغطى بها القداح، ويقال الربابة هنا هي القداح، واليسر: الذي يضرب بالقداح، وهو المفيض، يصدع: يفرق ويصيح، ويفيض على القداح، أي يدفعها، ويضرب بها، ونابت " على " منأب " الباء " والضمير في كأنهن راجع إلى الأتن المذكورة قبل البيت. وفي كأنه راجع إلى حمار الوحش الذي يطردها ويسوقها أمامه. ]] يعني بقوله: يَصْدَع: يُفَرِّق بالقداح. ⁕ حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ يقول: فأمضه. ⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ يقول: افعل ما تؤمر. ⁕ حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: بالقرآن. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين سبب النزول | سواح هوست. ⁕ حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: هو القرآن. ⁕ حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: بالقرآن. ⁕ حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ قال: الجهر بالقرآن في الصلاة.
وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء: أن جبريل أتى رسول الله ﷺ وهو يطوف بالبيت، فقام وقام رسول الله ﷺ إلى جنبه، فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه فمات منه حَبَناً، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله، وكان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجر إزاره، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلاً له. الحَبَن انتفاخ البطن، فمات منه حَبَناً. يريش نبلاً له: يعني يلصق فيه الريش، والسهم يوضع فيه الريش من أجل أن ينطلق بطريقة لا ميل فيها. فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض به فقتله، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه فخرج على حمار له يريد الطائف، فربض على شِبْرِقة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فامتخض قيحاً فقتله. فانتقض: يعني جراحه انتقضت، أي تجددت بعدما برئت. فاصدع بما تؤمر وأعرض. فامتخض بالضاد، فامتخض قيحاً، يعني تحرك القيح في رأسه وانتشر فمات. وقوله: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ تهديد شديد ووعيد أكيد لمن جعل مع الله معبوداً آخر.