ولو ضاقت بالإنسان نفسه وجالت عيناه على مظاهر النعم كافة لما وجد نفسه سوى أسيرًا للطبيعة يرتمي بين يديها وكأن لسان حاله يقول خلقت من التراب ولا أرى الراحة إلا بين يديه، فيحن الإنسان إلى طبيعته الأولى طبيعة الأرض والشمس الدافئة والمياه الرقراقة العذبة والحيوانات التي تتفاضل على بعضها بالبهاء والجمال وما جعله الله سببًا للفضيلة. إن الطبيعة هي الأم الرؤوم التي يفترش الإنسان ذراعيها فيرتمي بينهما معلنًا في تلك اللحظة ميلاده الأول، ميلاده الأول الذي تخلص فيه من الهموم والأحزان والآلام ليكون وحده سيد الموقف مع ربته الأولى، نعم هي الطبيعة ملجؤه من الأحزان والآلام. تعبير عن جمال الطبيعة - موضوع. إن الإنسان لما تضيق نفسه وتحشرج في صدره روحه لا يجد ملجأ سوى الهواء الطلق فينتقل إلى البراري ليلمس هناك فقط النسيم العليل الذي يدخل إلى قلبه قبل أن يلج رئتيه، حيث تكون نفسه أحوج ما تكون في تلك اللحظات إلى الصمت والسكون، كل شيء فهذا الكون مسخر لما يحتاجه الإنسان على تعاقب الأزمان والدهور. فمذ عهد آدم نشأ الإنسان بين الأشجار والأنهار ولم يعرف الأبنية التي تحارب الطبيعة سوى منذ عهد حديث، إن الامتداد العمراني على حساب الأشجار والأطيار ليخلق موتًا مقدمًا عن وقته لكافة أطياف هذه الأرض.
- تعبير عن جمال الطبيعة - موضوع
تعبير عن جمال الطبيعة - موضوع
في وصف الطبيعة تحتار العين من أين تبدأ النظر، ويحتار القلب فيما يُحب أكثر، ويعجز اللسان عن قول كل ما يمكن قوله في وصفها، ففي كل جزءٍ من أجزاء الطبيعة بحرٌ من الغرابة والأسرار لا تُدركه العقول بشكلٍ كامل، وفي كل ركنٍ منها فرصة للتأمل والتعلّم، فالطبيعة أكبر مُعلّم، وفيها تبدو الأشياء على سجيّتها دون تكلف أو تصنع، وما من شيءٍ يكسر حاجز السكينة فيها سوى الأيادي الخفية التي تُشوّهها أحيانًا مثلما يفعل فيها البشر، لكنها رغم ذلك فإنَّ الطبيعة قادرة على أن تُعين نفسها على الصبر والمقاومة والتجدد لأنها معجزة كاملة ومتكاملة، وكلّ ما فيها من أكبره إلى أصغره يُشكلُ حالة استثنائية خاصة فيه.
وترتدي عوضًا عنه ثوبها الأزرق المزيَّن بتلك الماسات الذَّهبية، لتبدو به وكأنَّها حسناء ازدانت بأجمل ثيابها لاستقبال حبيبها القمر ، ذاك الحبيب الذي أطلَّ عليها بحلته البيضاء مع حاشيته من نجوم وشهب، ولا يكاد الرائي يرقب ذاك المنظر الحميميِّ المهيب، حتَّى يشعر ويسمع تلك الهمسات العاشقة التي تبثّها السَّماء للقمر، محدثةً إياه عمَّا قاسته من رفقة الشَّمس الحارقة، وأنَّه سيبقى الملجأ الوحيد الذي يشاركها زفراتها، لتكون تلك الزَّفرات والآهات نسمات رطبة تسري عن النَّاس حرَّ الصَّيف. سماء الخريف الكئيبة
امتلأت السَّماء بصرخات الألم التي أطلقتها حناجر الطِّيور التي قررت الرَّحيل عن حضن السَّماء الذي عاشت به أجمل الذِّكريات، وها هي السَّماء ترقب أسراب الطِّيور المهاجرة التي طالما آنستها بعزفها المبدع بعينين حزينتين، اكتست السَّماء بثوبها الذي شابته حمرة تضرَّجت بها، وكأن أحد طيورها آثر الانتحار على أعتابها من أن يفارق ذاك الحضن الدَّافئ الذي رسم فيه أجمل أحلامه.