قالوا: ومن يستبدل بنا ؟ قال: فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكب سلمان الفارسي ثم قال: هذا وقومه ، هذا وقومه قال الترمذي: حديث غريب. وفي إسناده مقال. وروى الطبراني في الأوسط هذا الحديث على شرط مسلم وزاد فيه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لتناوله رجال من فارس. وأقول هو يدل على أن فارس إذا آمنوا لا يرتدون وهو من دلائل نبوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وارتد البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم اثنتي عشرة مرة فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد ، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم. و ( ثم) للترتيب الرتبي لإفادة الاهتمام بصفة الثبات على الإيمان وعلوها على مجرد الإيمان ، أي ولا يكونوا أمثالكم في التولي. والجملة معطوفة بـ ( ثم) على جملة يستبدل قوما غيركم فهي في حيز جواب الشرط ، والمعطوف على جواب الشرط بحرف من حروف التشريك يجوز جزمه على العطف ، ويجوز رفعه على الاستئناف. وقد جاء في هذه الآية على الجزم وجاء في قوله - تعالى - وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون على الرفع. القرآن الكريم - تفسير الطبري - تفسير سورة محمد - الآية 38. وأبدى الفخر وجها لإيثار الجزم هنا وإيثار الاستئناف هنالك فقال: وهو مع الجواز فيه تدقيق وهو أن هاهنا لا يكون متعلقا بالتولي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي الله بهم على الطاعة ، وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين وكون من يأتي الله بهم [ ص: 140] مطيعين ، وأما هنالك فسواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لا ينصرون فلم يكن للتعليق أي بالشرط هنالك وجه فرفع بالابتداء وهاهنا جزم للتعليق ا هـ.
- يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم
- وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم
- يستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا
- يستبدل قوما غيركم يحبهم ويحبونه
يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم
وجعل بين الكافرين والشياطين موالاة في الدنيا { إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [ الأعراف27]. 2-من الإعراض: فقولهم تولَّى إذا عُدِّيَ بنفسه اقتضى معنى الولاية، وحصوله في أقرب المواضع: مثل وليت وجهي أي أقبلت عليه{ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]. وإذا عُدِّيَ بـ (عن) لفظًا أو تقديرًا اقتضى معنى الإعراض، وتَرْكِ قُرْبِه. {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ} [آل عمران:63]. ووَلّى عن الشيء انصرف عنه أو أعرض عنه، أو ذهب بعيدًا عنه.. ووَلَّى وجهه إلى الشيء: اتجه إليه. وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم. وتولى أعرض وانصرف [1]. أبعاد (إِن تَتَوَلَّوْا) ومظاهرها
كما سبق وأشرنا فإن سنة الاستبدال ركنها الركين هو التولي، نلقي الضوء هنا على أبعاد هذا التولي في القرآن ومظاهره. وقد وردت مشتقات الجذر (ولي) حوالي (80) مرة بحسب التتبع المعجمي، كان من بينها (64) موضوعًا تشير إلى عوامل الاستبدال -للأمم والأقوام والنظم والمكانات والقوة والمنعة- وتوضح أركان التولي (فعل الشرط) لحالة الاستبدال (جواب الشرط). وقد حاولنا تصنيف هذه الأبعاد النزوعية والمظاهر السلوكية ومآلاتها تصنيفًا مبدئيًا أخذ الشكل التالي، الذي نشير فيه إلى البُعد/المظهر الخاص بشكل (التولي) مع ذكر رقم الآية والسورة الوارد فيها.
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم
الإعراض عن طاعة النبي ('):
ولا شك أنّ من أكثر الموارد التي تظهر فيها هذه السنة الإلهية هي طاعة من أمر الله تعالى بطاعته وهو النبي (ص) ومن بعده الأئمة المعصومون (^) ثم العلماء العاملون المخلصون النوّاب عن الإمام(×) في غيبته ، فإنّ من يتقاعس عن طاعتهم والالتزام بتوجيهاتهم فضلاً عمّن يشكّك فيهم ويفتري عليهم ويسقّطهم فإن التوفيق يُسلبُ منه ويُمنَح إلى آخرين مطيعين مخلصين (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد/38) بل يكونون ثابتي الإيمان ذوي همم عالية وإصرار على العمل. ' وهذا الابتلاء مرّت به الامم ففشل اكثرهم وتولّوا واعرضوا فاصيبوا بأسوء النتائج، ماذا كان دعاء أمير المؤمنين (×) حينما خذله أصحابه وتقاعسوا وتفرقوا، (قال (×) في سحرة اليوم الذي ضُرب فيه: ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله (') فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيتُ من امتك من الأَوَد –أي الاعوجاج- واللَدد- أي الخصام-؟ فقال: ادع عليهم، فقلتُ: أبدلني الله بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً لهم مني) ( [2]). نموذج معاصر من الإعراض عن طاعة الله تعالى:
خذ مثلاً السيد الشهيد الصدر الثاني + فإن كثيراً من العناوين الكبيرة وغيرهم داخل الحوزة وخارجها خذلوه وعارضوه وشككوا فيه وفي حركته فحرموا من هذا اللطف الإلهي، وهيّأ الله تعالى للسيد الشهيد شباباً مليئين بالإيمان والحيوية والتفاني أخذوا المواقع المخصّصة لأولئك الذين حرموا أنفسهم من هذا الفضل العظيم، واستمرت هذه الحركة المباركة حتى بعد استشهاده ومرور (16) سنة على رحيله، لكن صدى حركته اليوم وآثارها المباركة أوسع مما كانت في حياته الشريفة.
يستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا
وقال تعالى هاهنا: ( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) أي: يرجع عن الحق إلى الباطل. قال محمد بن كعب: نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري: نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر. ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال الحسن: هو والله أبو بكر وأصحابه [ رضي الله عنهم] رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت أبا بكر بن عياش يقول في قوله ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) هم أهل القادسية. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: هم قوم من سبأ. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله: ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال: ناس من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون. إمام وخطيب مسجد عمرو بن العاص يؤكد على أهمية التعاون ومساعدة الناس | مبتدا. وحدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفى حدثنا معاوية - يعني ابن حفص - عن أبي زياد الحلفاني عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال: " هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب ". وهذا حديث غريب جدا. وقال ابن أبى حاتم: حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الصمد - يعني ابن عبد الوارث - حدثنا شعبة عن سماك سمعت عياضا يحدث عن الأشعري قال: لما نزلت: ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هم قوم هذا ".
يستبدل قوما غيركم يحبهم ويحبونه
وقد صحَّ عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنَّه قال: "صُومُوا تصحّوا". ولا يصح مرفوعاً، ومعناه صحيح. وقد جعل الله تعالى جوائز ربانية للمُجتهدين الناجحين في ختام هذه الدورات التربوية التكوينية في مدرسة رمضان العظيمة؛ وبعد موسمٍ إيماني حافلٍ بالجدِّ والاجتهاد؛ في العبادة والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات؛ وبعد مسيرة تربوية إصلاحية مكتملة الجوانب والأركان، يكافئ الصائم بعدة جوائز عظيمة؛ وهي جوائز: الرحمة، والمغفرة، والعفو؛ والقرب من الله؛ وكفارة الذنوب؛ والفوز بالجنة، والنجاة والعتق من النار؛ كما أعلن عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من صام رمضان إيمانا واحتساباً؛ غفر له ما تقدم من ذنبه؛ ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". وقوله: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غُفر له ما تقدّم من ذنبه". يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. متفق عليهما. وقوله: "إذا دخل شهر رمضان: فُتَحت أبواب الجنة؛ وغُلَقت أبواب النار، وصُفَدت الشياطين". متفق عليه. ويحق للمسلم أن يفرح بهذا الفضل العظيم: (قل بفضل الله فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون) يونس: 58. وقال صلى الله عليه وسلم: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر؛ فرِح بفطره، وإذا لقي ربّه؛ فرح بصومه".
لماذا التقاعس والارتماء في الايديولوجيات الفاسدة؟
وقد تركت الآية كلمة (تتولوا) بلا ذكر لمتعلقها، وإن التولي يكون عن ماذا؟ لتكون مطلقة وتكون السُنة جارية في كل تولي واعراض سواء تعلق بأصول الدين أو فروعه أي مطلق طاعة الله تعالى. إذ من الناس من يعرض ويتولى عن أصل الإيمان والدين ويتجرد منه ويتحول إلى لا ديني ويتبنى أفكاراً وأيديولوجيات مناهضة للدين ومشككة فيه بأي عنوان كان كالملحد أو الكافر ونحو ذلك، وهذا المورد من التولي والاعراض ذكرته آية أخرى قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ) (المائدة/54). ومنهم من يؤمن نظرياً بالإسلام لكنه لا يقوم بالتزاماته وقد ذكرت الآيات المتقدمة على الآية محل البحث من سورة الحديد صوراً من الخذلان الذي يصيب الانسان كعدم الانفاق في سبيل الله تعالى وكالقعود عن الجهاد في آية سورة التوبة المتقدمة، أو أي فرصة من فرص الطاعة التي يهيئها الله تعالى للإنسان كمساعدة محتاج أو قضاء حاجة مؤمن فإنه إن فوّتها ولم يستثمرها فإن الله تعالى سيقيِّض من يقوم بها وهو شاكر لله تعالى على توفيقه.