تعد الشمس إحدى النجوم النموذجية، وهي نجم متوسط بالمقارنة مع ملايين النجوم الموجودة في مجرتنا (درب التبانة). ينبعث من سطحها الضوء الذي يضيء نهارنا ويمنحنا الدفء والحرارة، ونظراً «إلى قربها الشـديد فهي تظهر لنا وكأنها قرص غازي بدلاً» من نقطة مضيئة كما هي حال النجوم الأخرى، الأمر الذي مكن العلماء من دراستها من الأرض ومن الفضاء بشيء من التفصيل، واعتبرت هذه الدراسات ركائز أساسية في علم النجوم. إن كتلة الشمس تؤلف حوالي 99. 8% من كتلة المجموعة الشمسية مجتمعة»، وهي المصدر الرئيس للطاقة التي تحفظ الحياة على الأرض وبدونها تكون الحياة مسـتحيلة: «وجعلنا سراجاً وهاجاً»، (النبأ: 13). «والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها..» | صحيفة الخليج. وهذه الطاقة تنتـج عرضياً» مـن عمليات الاندماج النووي في مركز الشمس، إذ يتحول الهيـدروجين إلى هليـوم بشـكل مسـتمر (أي تحرق الهيدروجين وتحوله إلى هيليوم في باطنها، فإنها تحرق في الثانية الواحدة ما متوسطه خمسة آلاف طن من كتلتها). وبما أن الشمس أم الطاقات الموجودة على كوكب الأرض وعلى كواكب المجموعة الشمسية الأخرى وهي المصدر الرئيس للضوء والطاقة على سطح الأرض، فإن الله سبحانه وتعالى أقسم بها فقال: «والشمس وضحاها»، وقال عنها في كتابه الكريم: «هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون»، (يونس5).
إسلام ويب - التحرير والتنوير - سورة الشمس - قوله تعالى والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها - الجزء رقم31
[ ص: 171] ( سورة الشمس)
خمس عشرة آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها)
بسم الله الرحمن الرحيم ( والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها) قبل الخوض في التفسير لا بد من مسائل:
المسألة الأولى: المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات والتحذير من المعاصي. واعلم أنه تعالى ينبه عباده دائما بأن يذكر في القسم أنواع مخلوقاته المتضمنة للمنافع العظيمة حتى يتأمل المكلف فيها ويشكر عليها ، لأن الذي يقسم الله تعالى به يحصل له وقع في القلب ، فتكون الدواعي إلى تأمله أقوى.
فلنفكِّر في القمر، في هذه الكتلة العظيمة السابحة في الفضاء... هذه الكتلة التي تفوق أكبر جبل في الأرض بأُلوف المرات. كيف هي تسبح، وما الذي يمسكها أن تسقط أو أن يصيبها في جريها خلل أو اضطراب!. لنفكِّر في القمر هذا الكوكب المنير!. ما الذي جعله مَبعثاً لهذا النور اللطيف ينير أرجاء الأرض في ظلام الليل البهيم فيطمئن قلب الخائف المرتاع ويبعث السلوة في قلب الحزين الملتاع ويؤنس المريض فيخفِّف عنه ما به من أوجاع؟. من الذي جعل شعاعه في هذا اللطف من الإنارة فلا وهج ولا حرارة في وقت أشد ما يكون الإنسان فيه بحاجة إلى الراحة؟. من الذي جعله يدور حول الأرض مرتبطاً بها لا يفارقها متنقلاً في منازله واحداً فواحداً، آخذاً بالنماء لحظة فلحظة يوماً فيوماً، يولد أول ما يولد هلالاً ضئيلاً مقوَّساً فإذا انتصف الشهر وأصبح بدراً كاملاً عاد سيرته الأولى حتى ينمحق ويختفي فلا يعود يظهر ويُرى؟. {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴿١﴾وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴿٢﴾ وَالنّهار إِذَا جَلَّاهَا﴿٣﴾وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴿٤﴾} بيان أطول وأعظم قسم في القرآن العظيم | مدونة وُرُودٌ وَ بَـــيَـــــانْ. من الذي جعله يسير هذا السير المنظَّم، فلا يستقدم في سيره ولا يستأخر لحظة، ولا يخرج عن مداره المخصص به أنملة؟. فإذا ما تمَّ دورته عاد وليداً وبدأ شهراً جديداً، فعرَّفنا عدد السنين والحساب، وجعلنا نفرِّق بين الأشهر والأيام، وكان في ذلك كله آية من أعجب الآيات!.
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴿١﴾وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴿٢﴾ وَالنّهار إِذَا جَلَّاهَا﴿٣﴾وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴿٤﴾} بيان أطول وأعظم قسم في القرآن العظيم | مدونة وُرُودٌ وَ بَـــيَـــــانْ
الشمس التي لها فوائد لا تحصى ومنافع لا تستطيع إذا استقصيت في البحث أن تجد لها نهاية أو حدّاً، كل ذلك ينطوي تحت كلمة {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} والله أعلم بما في الشمس من آيات، وأنه لولا الشمس لما نبَتَ نبتٌ ولا حُصد زرع، ولا نضجت ثمار، ولما عاش إنسان ولا حيوان. ولولا الشمس لما تبخَّر ماء البحر، ولما هبَّت الرياح، ولما تكوَّنت الغيوم، ونزلت الثلوج والأمطار. ولولا الشمس لما تكوَّنت الفصول ولا تشكَّل الليل والنهار. فانظر أيها الإنسان إلى الشمس في خلقها وتكوينها فمن أين هي تستمد حرارتها وضياءها؟. ولو قربت الكرة الأرضية منها بما فيها من بحار وأنهار وسهول وجبال وأتربة ومعادن وأحجار لذابت في لحظة، لا بل لتبخَّرت جميعها ولأصبحت كالدخان، فمن أين تُوقد هذه الشمس؟. وما الذي يجري فيها... فإذا هي تشع لك هذا الشعاع وتمدُّك بهذه الحرارة والضياء. ثم انظر إلى تنظيم حرارتها واستمرار هذا التنظيم، فهي دوماً ثابتة الاشعاع ضمن نظامها الدوري السنوي الفصلي وحلولها في الأبراج فلا تعتريها زيادة ولا نقصان ضمن تنظيمها هذا، ولو أنها زادت حرارتها أو نقصت عن ذلك لاختل نظام الأرض ولما أمكنت الحياة. انظر أيها الإنسان إلى هذا البعد المناسب الكائن بين الشمس والأرض، فلو أن الشمس كانت أقرب من الأرض ميلاً واحداً وذلك بخروجها عن مدارها لأحرقت بحرِّها ما في الأرض من حيوان وإنسان ونبات، ولو أنها كانت أبعد ميلاً أيضاً عن سماء أو سقف مدارها هذا أثناء دورتها السنوية على الأبراج وحول الأرض لكان وجه الأرض متجمِّداً لا تُمْكن عليه الحياة.
وأمّا البيان الحقّ قوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴿٥﴾}،
أقسم الله بالسماء وذاته سبحانه. أمّا البيان الحقّ لقوله تعالى:
{ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴿٦﴾}،
كذلك أقسم الله بالأرض وذاته سبحانه.
«والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها..» | صحيفة الخليج
{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴿١﴾وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا﴿٢﴾ وَالنّهار إِذَا جَلَّاهَا﴿٣﴾وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴿٤﴾} بيان أطول وأعظم قسم في القرآن العظيم يا معشر علماء الأمّة المُتدبرين للقرآن العظيم، إن كنتم تريدون الحقّ لأنني أنا المهدي المنتظر الحقّ من ربّكم أدعوكم وجميع المسلمين والنّاس أجمعين وكافة الأمم أمثالكم مما يدأب أو يطير إلى عبادة الله وحده لا شريك له كما ينبغي أن يُعبد. وإنكم لتجهلون قدر المهدي المنتظر ولا تحيطون بسره وقدره عند ربه هو تلك النَّفْس التي توجد في أطول وأعظم قسم في القرآن العظيم، هو ذلك العبد الذي أقسم الله به وبذاته تعالى وبآية التصديق الكونيّة بشأنه، لو كنتم تتدبرون القرآن العظيم لوجدتم بأن أعظم قسمٍ وأطول قسمٍ بالحقّ جاء في شأن المهدي المنتظر الحقّ من ربّكم بأنه قد أفلح من صدقه وسارع في الخيرات ابتغاء رضوان الله وتثبيتاً من أنفسهم مما علموا من الحقّ نظراً لدخول البشر في عصر أشراط الساعة الكبر وقد خاب من كذّبه فبخل على نفسه،
إن ربّي غني حميد.
المسألة الثالثة: القراء مختلفون في فواصل هذه السورة وما أشبهها نحو: ( والليل إذا يغشى) ، ( والضحى والليل إذا سجى) فقرؤوها تارة بالإمالة وتارة بالتفخيم وتارة بعضها بالإمالة وبعضها بالتفخيم ، [ ص: 172] قال الفراء: بكسر ضحاها ، والآيات التي بعدها وإن كان أصل بعضها الواو نحو: تلاها ، وطحاها ودحاها ، فكذلك أيضا.