حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) سبحان ربي الأعلَى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: نـزه يا محمد اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئًا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات وبعضها العزّى. تحفيظ سوره سبح اسم ربك الاعلي ماهر المعيقلي. وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نـزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الأعلى؛ قالوا: وليس الاسم معنيًا. وقال آخرون: نـزه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل؛ قالوا: وإنما عُنِي بالاسم: التسمية، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر. وقال آخرون: معنى قوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى): صلّ بذكر ربك يا محمد ، يعني بذلك: صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: نـزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والأوثان، لما ذكرت من الأخبار، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرءوا ذلك قالوا: سبحان ربي الأعلى، فَبَيَّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك ونـزهه.
القرآن الكريم - التحرير والتنوير لابن عاشور - تفسير سورة الأعلى
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ (5)} [الأعلى]
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: أمر من الله تعالى بتسبيحه وتنزيهه عن كل عيب, والإيمان به وبأسمائه الحسنى وأوصافه ونعوته الكاملة. فهو الذي خلق الخلق فأحسن الصنعة وسوى المخلوقات فجعلها في أحسن تكوين. سوره سبح اسم ربك الاعلي صوره. وهو الذي قدر الأقدار وهدى جميع المخلوقات هداية عامة تتعايش بها مع الكون من حولها, وهداية خاصة هي هداية توفيق خص به عباده المؤمنين به السالكين صراطه. وهو الذي أخرج الزروع والثمار والخيرات وهو الذي قدر لها دورة حياة تنتهي باليبس والتهشم لتصلح للدواب كأعلاف, وليعتبر بدورة حياتها كل معتبر فلكل مزدهر نهاية ولا يبق إلا وجه الله الكريم سبحانه. قال تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَىٰ (5)} [الأعلى] قال السعدي في تفسيره: يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم.
وإذا كان قد وقع الاختلاف مع ورود هذه الأحاديث في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
في صلاة الوتر بثلاث ، فأولى أن يقع الاختلاف في القراءة إذا أوتر بركعة واحدة. ويمكننا حصر أقوى ما ينبغي أن يقال في قراءة الركعة الواحدة من الوتر في قولين:
1. الإخلاص ، أو الإخلاص والمعوذتان – عند من يصحح حديثهما -. 2. التخيير ، فيقرأ ما يشاء ، وهذا أكثر ما ورد عن السلف. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ركعة الوتر ، وقرأ فيها بمائة آية من
النساء، ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد. فعن أبي مجلز أن أبا موسى: كان بين مكة والمدينة فصلَّى العشاء ركعتين ، ثم قام
فصلى ركعة أوتر بها فقرأ فيها بمائة آية من النساء ، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي
حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه ، وأنا أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى
الله عليه وسلم. رواه النسائي ( 1728) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " ،
وهناك كلام لبعض أهل العلم في سماع أبي مجلز من أبي موسى ، وقد اعتمدنا ها هنا
تصحيح الشيخ الألباني. سوره سبح اسم ربك الاعلي. ومعنى " ألَوت ": أي: قصَّرت. وقد نقل ابن حجر الهيتمي رحمه الله عن البلقيني أن من أوتر بغير ثلاث يقرأ بما يشاء
، غير أن ابن حجر توقف في ذلك.