عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق, ونظام وحياة.. وتخطي عتبة دار الأرقم, التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال, واسع, وعريض.. واقتحام تلك العتبة, كان إيذانا بعهد زاخر بالمسؤوليات الجسام..! وبالنسبة للفقراء, والغرباء, والرقيق, كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق كل مألوف من طاقات البشر. وإن صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار, عمّار بن ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته.. ؟؟ إنه نداء الإيمان الذي لا يقاوم.. وإنها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام, الذي يملأ عبيرها أفئدة الأبرار هدى وحبا.. وإنها روعة الجديد المشرق. "ربح البيع أبا يحيى".. كيف تغتنم الفرصة في العشرة الأخيرة؟. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم, وضلاله وإفلاسه.. وإنها قبل هذا كله رحمة الله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي إليه من ينيب... أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين.. وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!! ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين.. وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول, وسار تحت راية الإسلام فيقول: " لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره.. ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها.. ولا يسر سرية قط.
من هو الصحابي الذي قاله عنه النبي: ربح البيع أبا يحيى؟
الا كنت حاضرها.. ولا غزا غزاة قط، أوّل الزمان وآخره، الا منت فيها عن يمينه أ، شماله.. وما خاف المسلمون أمامهم قط، الا كنت أمامهم.. ولا خافوا وراءهم الا كنت وراءهم.. وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين االعدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!! هذه صورة باهرة، لايمان فذ وولاء عظيم.. ولقد كان صهيب رضي الله عنه وعن اخوانه أجمعين، أهلا لهذا الايمان المتفوق من أول يوم استقبل فيه نور الله، ووضع يمينه في يكين الرسول.. يومئذ أخذت علاقاته بالناس، وبالدنيا، بل وبنفسه، طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا صلبة، زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوّعها. والأهوال فيروّعها. ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام وجسور. ز فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر.. من هو الصحابي الذي قاله عنه النبي: ربح البيع أبا يحيى؟. منصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة، الى عشق الخطر وحب الموت.. ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته، ففي ذلك اليوم تخلى عن كل ثروته وجميع ذهبه ال ذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد ولا نكوص.
&Quot;ربح البيع أبا يحيى&Quot;.. كيف تغتنم الفرصة في العشرة الأخيرة؟
إسلامه وهجرته: قال عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ: " لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها، فقلت له: ما تريد؟، فقال لي: وما تريد أنت؟، فقلت: أردت الدخول إلى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسمع كلامه، فقال: فأنا أريد ذلك، فدخلنا عليه، فعرض علينا الإسلام فأسلمنا، ثم مكثنا يومنا حتى أمسينا، ثم خرجنا مستخفين ". قال مجاهد: " أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، و أبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، وعمار ،وأمه سمية ". وفي منتصف شهر ربيع الأول ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما زال مقيما بقباء بعد هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، عزم صهيب على الهجرة فرارا بدينه، وأسوة برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبمن هاجر من الصحابة، وكان هو و علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ آخر من هاجر. وكانت هجرته ـ رضي الله عنه ـ صورة من صور الهجرة التي تجلّت فيها معاني التضحية بالمال وبذله رخيصاً في سبيل الله، فحين خرج مهاجرا تبعه نفر من المشركين ليمنعوه فأدركوه، فوقف واستخرج نباله من كنانته وقال لهم: " يا معشر قريش تعلمون أني من أرماكم، والله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي بيدي منه شيء ".
وقال ابن حجر عن هذا الحديث في ترجمة صهيب الرومي ـ رضي الله عنه ـ: " وروى ذلك ابن سعد وابن أبي خيثمة من طريق حماد عن على بن زيد عن سعيد بن المسيب في سبب نزول الآية، ورواه ابن سعد أيضاً من وجه أخر عن أبي عثمان النهدي ،وراه الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس ،وله طرق أخرى، ورواه ابن عدي من حديث أنس، و الطبراني من حديث أم هانئ ". لم يتخلف صهيب ـ رضي الله عنه ـ منذ أسلم عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في أي مشهد من المشاهد، فقد روى الطبراني عنه ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: " لم يشهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مشهدا قط إلا كنت حاضره، ولم يبايع بيعة قط إلا كنت حاضرها، ولم يسر سرية إلا كنت حاضرها، ولا غزا غزاة إلا كنت فيها عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قط إلا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيني وبين العدو قط حتى توفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ". و صهيب - رضي الله عنه - لم يكثر من رواية الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم-، فقد روى نحواً من ثلاثين حديثاً، لم يخرج البخاري منها شيئاً، وإنما أخرج له مسلم نحو ثلاثة أحاديث، وروى عنه من الصحابة: عبد الله بن عمر، وجابر وغيرهم،ومن التابعين: كعب الأحبار، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأسلم مولى عمر، وسعيد بن المسيب وآخرون.