وحول هذه المسألة، نقول: طالما أنّ الإعلام غير منضبط، ومواقع التواصل الاجتماعيّ غير منضبطة، فإنّ الانحطاط الأخلاقيّ والاختراقات الأمنيّة والإسفاف والعبث ستبقى موجودة في البلد. ولا تزر وازرة وزر أخرى. بمعنى أنّ الجيوش الإلكترونيّة، الإسرائيليّة وغير الإسرائيليّة، والتي تريد أن تعمّ الفتنة هذا البلد، هي جاهزة كلّ يوم لأن تطلق السباب والشتائم، وإهانة رموز ومقدّسات كلّ المسلمين والمسيحيّين، وكلّ القوى السياسيّة، للإيقاع فيما بينهم. •التعاطي بمسؤوليّة وحكمة
1 - المطلوب من الشيعة
هل يجوز أن نضع البلد وشعبنا كلّه بين أيدي عملاء وسفهاء وجواسيس وجَهَلة؟ أم يجب أن نتصرّف بمسؤوليّة؟ والمسؤوليّة هنا تعني أن نتعاطى مع كلّ حدث بحدوده الطبيعيّة؛ فعندما خرج ذاك الشخص، وشتم الإمام عليًّا عليه السلام وأساء إليه، ماذا يجب أن نقول نحن الشيعة في هذه الحالة؟ يجب أن نقول إنّه لا يمثّل طائفته، كما أنّ علماء السنّة وقياداتهم في لبنان لا يقبلون بهذا الشيء، وهو لا يعبّر عن مزاج ورأي الطائفة السنيّة الكريمة في لبنان. هذا شخص إمّا سفيه أو عميل أو مدفوع لإحداث فتنة، هذا هو حجم القضيّة، ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى. ونحن بدورنا نطالب القضاء والأجهزة الأمنيّة أن يبحثوا عن أولئك الذين يثيرون الفتنة، ويعتقلوهم ويحاسبوهم، ولا يجوز لنا نحن الشيعة أن نفتح من هذه الحوادث معركة.
ولا تزر وازرة وزر أخرى تفسيرها
وهذا ظلم لا
يقرُّه الإسلام، ولا يعترف به، وينهى عنه، باعتبار أن هذه العادة السيّئة تؤدّي إلى
شرذمة المجتمع وتمزيقه وإيجاد عداوات وأحقاد لا داعي لها، فضلاً عن إعاقتها لحركة
المجتمع السليمة المحققة للأهداف والأغراض المشروعة للناس، ولذا قال القرآن الكريم
﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾
(الأنعام: 164) ، وقال أيضاً
﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ
جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ
مَنْصُوراً ﴾
(الإسراء: 33). من القلب إلى كلّ القلوب: تكليفنا في زمن الفتنة(*). فالإسلام أقرَّ في هذه الحالة بقتل القاتل لا غير دون غيره،
وأعطى ولي الدم الإذن في الاقتصاص، ولكن من القاتل نفسه دون غيره. 3ـ ميراث المرأة: إن الناس في الكثير من
مجتمعاتنا الإسلامية لا يتعاملون مع المرأة كما يتعاملون مع الرجل، فلو فرضنا أن
رجلاً قد مات وترك ميراثاً، فهنا نرى أن هذا الرجل قبل موته قد يوزِّع ثروته على
أولاده الذكور فقط، أو يطلب من الذكور أن يعطوا أخواتهم شيئاً ما مقابل حرمانهن من
ميراثهن الحقيقي، وهذا التقليد راجع إلى تفضيل الرجل على المرأة بشكل عام. ولا شكّ
أن هذا مخالف لأحكام الإسلام في الميراث الذي حدَّد لكل وريث حصته، وأعطى الذكر ضعف
حصة الأنثى نظراً لموقع كلّ واحد منهما في المجتمع، ولكن مع هذا نرى هضم حقّ المرأة
في التّركة لا زال معمولاً به في العديد من ساحاتنا الإسلاميّة، وذلك بحجة أن ميراث
المرأة إذا تزوجت من خارج إطار العائلة سوف يذهب للغرباء، وهذا ما يوافق عادة
جاهلية كانت موجودة.
ولا تزر وازرة وزر أخرى
الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحَيَاةِ الدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا " وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم ، وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مُحرُومٌ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُّ.
تفسير ولا تزر وازرة وزر أخرى
وثمة فهمٌ خاطئ لهذه القاعدة القرآنية، وهو أن بعضا الناس يظن أن هذه القاعدة مخالفة لما يراه من العقوبات الإلهية التي تعم مجتمعاً من المجتمعات، أو بلداً من البلاد، حينما تفشو المنكرات والفواحش والمعاصي، وسَبَبُ خطأ هذا الفهم، أن المنكر إذا استعلن به الناس، ولم يوجد من ينكره، فإن هذا ذنب عظيمٌ اشترك فيه كلُّ من كان قادراً على الإنكار ولم ينكر، سواءٌ كان الإنكار باليد أو باللسان أو بالقلب وذلك أضعف الإيمان، ولا عذر لأحد بترك إنكار القلب، فإذا خلا المجتمع من هذه الأصناف الثلاثة ـ عياذاً بالله ـ مع قدرة أهلها عليها استحقوا العقوبة، وإن وجد فيهم بعض الصالحين. تأمل معي قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]! قال تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى. يقول العلامة السعدي(3): في تفسير هذه الآية: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} بل تصيب فاعل الظلم وغيره،وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته تعم الفاعل وغيره،وتقوى هذه الفتنة بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. ويوضح معنى هذه الآية الكريمة ما رواه الإمام أحمد: بسند حسن ـ كما يقول الحافظ ابن حجر(4) ـ من حديث عدي بن عميرة ا سمعت رسول الله ج يقول: "إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم ـ وهم قادرون على أن ينكروه ـ فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة"(5).
قال تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى
تستغرب انجراف الناس وراء مقولات خاطئة شعبية حتى لو تعارضت مع نصوص الدين، ومع ما يرونه واقعا أمامهم!
وهذا الأمر لا ينسجم مع الإٍسلام، بل ويرفضه، إذ للمرأة الحق
في أن تأخذ حصّتها من الميراث كغيرها من الورثة، ولا يجوز حرمانها منه بحججٍ واهيةٍ
وساقطةٍ بنظر القانون الإسلامي. بل نجد أن تفضيل الذكر على الأنثى يعود حتى إلى
مرحلة الولادة، فإذا أنجبت المرأة بنتاً، نرى أن الأب في الكثير من الأحيان يكون
كارهاً ممتعضاً وغير راضٍ؛ لأنّه يريد أن تلد له ولداً. وكم من النساء قد طلَّقهنَّ
أزواجهنَّ لأنّهنَّ لا يلدن إلّا البنات؟ وهذا التقليد كان سارياً في الجاهلية قبل
الإسلام وحاربه ديننا، إلّا أنّه عاد وتسلّل إلى مجتمعاتنا عبر الأعراف والتقاليد. تفسير ولا تزر وازرة وزر أخرى. وقد قال القرآن عن ذلك
﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأنْثَى
ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ
مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ﴾
(النحل: 58 59). فوأد البنات الآن لم يعد له وجود، ولكنّ التمايز في
المعاملة لا زال موجوداً، حتّى أنّه في بعض الأعراف الموجودة الرجال لا يورِّثون
البنت أصلاً؛ لأنّه قانون العائلة أو العشيرة، ويقدّمون هذا العرف على حكم الله في
توريث المرأة. وأمّا القسم الثالث، وهو المشتمل على ما يخالف
وما لا يخالف الإٍسلام، فالمقبول منه "ما لا يخالف" والمرفوض منه "ما يخالف"، وهذا
يعني أن هذا القسم ليس مقبولاً بالكامل ولا أنه مرفوض بالكامل.