الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أيها الإخوة الكرام: إنَّ صِفةَ الرحمة من صفات الله -تعالى- الثابتةِ بالكتاب والسنة، وهي صِفةُ كمالٍ لائقةٍ بذاته تعالى كسائر صفاته العُلى، لا يجوز لنا أنْ ننفِيَها أو نُعطِّلَها؛ لأنَّ ذلك من الإلحاد في أسمائه الحسنى. وقد ردَّ ابن القيم -رحمه الله- ردًّا مُفصَّلاً على القائلين: "بأنَّ رحمةَ اللهِ مَجاز أو عبارة عن إنعامه على عباده"، ومِمَّا قاله في الرد عليهم: "مِنْ أعظمِ المُحَال أنْ تكون رحمةُ أرحمِ الراحمين (التي وسِعَتْ كلَّ شيءٍ) مَجَازاً، ورحمةُ العبدِ الضَّعيفةُ القاصرةُ المخلوقةُ المُستَعَارةُ من ربِّه التي هي من آثار رحمتِه حقيقةً، وهل في قَلْبِ الحقائقِ أكثرُ من هذا؟". عباد الله: ظهرتْ آثارُ رحمةِ الله -تعالى- على خلقه بجلاء ووضوح؛ فبرحمته تبارك وتعالى أرسل إلينا رسولَه -صلى الله عليه وسلم-، وأنزل علينا كِتابَه، وعلَّمَنا من الجهالة، وهدانا من الضلالة، وبرحمته عرَّفَنا من أسمائه وصفاته وأفعاله؛ ما عرَّفَنا به أنه ربُّنا ومولانا. سعة رحمة ه. ومن رحمته تبارك وتعالى: أنْ خَلَقَ الإنسانَ ثم علَّمه القرآنَ والبيان؛ كما قال سبحانه: ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)[الرحمن: 1-4] فتأمَّل كيف جعلَ الخَلْقَ والتعليمَ ناشئاً عن صفةِ الرحمة، مُتعلِّقاً باسم الرحمن؟
وبرحمته علَّمَنا ما لم نكن نعلم، وأرشدنا لمصالحِ ديننا ودنيانا، وبرحمته أطلع الشمسَ والقمر، وجعل الليلَ والنهار، وبسط الأرضَ، وجعلَها مِهاداً وفِراشاً وقَراراً وكِفاتاً للأحياء والأموات، وبرحمته أنشأَ السحابَ، وأمطرَ المطرَ، وأطلعَ الفواكه والأقوات والمرعى، وبرحمته وضعَ الرحمةَ بين عبادِه لِيَتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان.
سعة رحمة الله والذاكرات
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما بزغت الشمس والقمر. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]. سعة رحمة الله (خطبة). عباد الله:
ما أرحم الله وما أرأفه! وما أصبره وما أحلمه! هو الرحمن الرحيم، بالمؤمنين رؤوف رحيم، ما خلَقَنا ليُعذبنا، وما أوجدنا ليُشقينا، وما كلَّفَنا ليشق علينا.
سعة رحمة الله عليه
(22). ________________________
المصادر:
[1]. الأعراف، الآية: 156. [2]. تفسير مجمع البيان للطبرسي، ص101، ج8-9،
[3]. تفسير الصافي الفيض الكاشاني، ص140، ج8-9
[4]. الكاشف، جواد مغنية، ص74، ج8-9
[5]. كنز العمال: 10464. [6]. كنز العمال:10407. [7]. نهج البلاغة: الخطبة ١. [8]. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:102/1. [9]. سورة غافر، الآية: 7. [10]. سورة الأنعام: 147. [11]. سورة الأعراف: 156. [12]. كنز العمال: 5668 ، 10387،10466. [13]. كنز العمال: 5668 ،10387، 10461. [14]. كنز العمال: 5668، 10387، 10461. [15]. أمالي الطوسي: 173 / 292. [16]. سعة رحمة الله والذاكرات. تحف العقول: 399. [17]. البحار: 78 / 153 / 17 وص 159 / 10. [18]. البحار: 78 /153 / 17 وص 159 / 10. [19]. سورة الأنعام، الآية: 54. [20]. سورة الأنعام، الآية: 12
[21]. كنز العمال: 10390. [22]. الكافي: 8 / 52 / 16.
2-توبة شاب مسرف على نفسه على يد إبراهيم بن ادهم. روي أن رجلاً جاء إلى إبراهيم بن أدهم فقال له: يا أبا إسحاق إني مسرف على نفس، فأعرض على ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً لقلبي قال: إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة قال: هات يا أبا إسحاق! قال: أما الأولى: فإذا أردت أن تعصي الله عز وجل فلا تأكل رزقه، قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟ قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟ قال: لا هات الثانية. قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئاً من بلاده قال الرجل: هذه أعظم من الأولى! طريق الجنة | سعة رحمة الله | الحلقة 26 - YouTube. يا هذا إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين اسكن؟ قال: يا هذا! أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟ قال لا، هات الثالثة. قال: إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعاً لا يراك فيه مبارزاً له فاعصه فيه قال: يا إبراهيم! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟ قال يا هذا أفيحسن أن تأكل من رزقه وتسكن بلاده وتصعيه وهو يراك ويرى ما تجاهر به؟ قال: لا هات الرابعة. قال: إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فق له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحاً واعمل لله عملاً صالحاً قال: لا يقبل مني! قال يا هذا فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب، وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير، فكيف ترجو وجه الخلاص؟ قالت: هات الخامسة:قال: إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذوك إلى النار فلا تذهب معهم قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني قال: فكيف ترجو النجاة إذا؟ قال له: يا إبراهيم حسبي حسبي أنا استغفر الله واتوب إليه ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما.