(۲) فلا بدّ من تعليم النّاس وتزكيتهم أيضاً، كي يتسنّى لهذا المجتمع البشري الكبير الذي يقطن هذه المعمورة أن يطوي طريق الكمال كأسرة متوحّدة سليمة، ويتنعّم بما في هذا العالم من خيرات. (٣)
«هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة»، ومعنى "يزكيهم" أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعمل على تربية وتزكية القلوب قلباً بقلب. يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. كما كان يبثّ الحكمة والعلم والمعرفة في العقول والأذهان «ويعلمهم الكتاب والحكمة» والحكمة أعلى درجة ومكانة، فلم يكن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يعلّمهم القوانين والأحكام فحسب، بل كان يعلّمهم الحكمة أيضا، وكان يفتح عيونهم على حقائق الوجود وهكذا سار النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيهم لمدة عشر سنوات. فمن ناحية كان اهتمامه منصّباً على السياسة وإدارة الحكومة والدفاع عن كيان المجتمع الإسلامي ونشر الإسلام وفتح المجال أمام الآخرين لكي يتّجهوا صوب المدينة ويدخلوا الإسلام ويتعلّموا المعارف الإسلامية، ومن ناحية أخرى كان يعمل على تربية أفراد المجتمع.
الباحث القرآني
2- أن هذا التفسير يخالف الظاهر المتبادر ؛ " وتأويل القرآن على المفهوم الظاهر الخطاب ، دون الخفي الباطن منه، حتى تأتي دلالة من الوجه الذي يجب التسليم له بمعنى خلاف دليله الظاهر المتعارف في أهل اللسان الذين بلسانهم نزل القرآن، أولى "، كما يقرره الإمام الطبري في "تفسيره" (2/ 367). وقال في موطن آخر: " وغير جائز ترك الظاهر المفهوم من الكلام إلى باطن لا دلالة على صحته "،"التفسير"(1/ 621). الباحث القرآني. وقال: " وغير جائز إحالة الظاهر إلى الباطن من التأويل بغير برهان "، "التفسير"(2/ 469). وهذا يقال في التأويل المذكور: أنه ترك للمفهوم من الآية ، ولما يدل عليه سياقها ، من غير دليل واضح ، ولا خبر ناطق بذلك. 3- أن هذا القول لم يرد عن السلف، ولم يصح فيه شيء من ذلك خبر عن الرسول بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة التي يجب التسليم لما نقلته ؛ وهذا دليل كاف في رده وبيان بطلانه. وقد قال الطبري جامعًا بين الحجتين السابقتين: " فغير جائز أن يترك المفهوم من ظاهر الكتاب والمعقول به ظاهر في الخطاب والتنزيل إلى باطن لا دلالة عليه من ظاهر التنزيل ولا خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم منقول ولا فيه من الحجة إجماع مستفيض " "التفسير"(2/ 71)، وقال: " فإنه قول خطأ فاسد لخروجه عن أقوال جميع الصحابة والتابعين، ومن بعدهم من الخالفين من أهل التفسير والتأويل، فكفى دلالة على خطئه شهادة الحجة عليه بالخطأ" "التفسير"(1/ 223).
"
* * * وهذا ابتداء خبر من الله عز وجل لمريم ما هو فاعلٌ بالولد الذي بشَّرها به من الكرامة ورفعة المنـزلة والفضيلة، فقال: كذلك الله يخلق منك ولدًا، من غير فحل ولا بعل، فيعلمه الكتاب، وهو الخطّ الذي يخطه بيده = والحكمة، وهي السنة التي يُوحيها إليه في غير كتاب = والتوراة، وهي التوراة التي أنـزلت على موسى، كانت فيهم من عهد موسى = والإنجيل، إنجيل عيسى ولم يكن قبله، ولكن الله أخبر مريمَ قبل خلق عيسى أنه مُوحيه إليه. وإنما أخبرها بذلك فسَّماه لها، لأنها قد كانت علمت فيما نـزل من الكتب أن الله باعثٌ نبيًا، يوحى إليه كتابًا اسمه الإنجيل، فأخبرها الله عز وجل أن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي سَمعت بصفته الذي وعد أنبياءه من قبل أنه منـزل عليه الكتاب الذي يسمى إنجيلا هو الولد الذي وهبه لها وبشَّرها به. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 7080 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: " ونعلمه الكتاب " ، قال: بيده. 7081 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " ونعلمه الكتاب والحكمة " ، قال: الحكمة السنة. 7082 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة في قوله: " ونعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل " ، قال: " الحكمة " السنة = " والتوراة والإنجيل " ، قال: كان عيسى يقرأ التوراةَ والإنجيل.