والسؤال الذي ما زال يحيرني هل من المصادفة العجيبة أن تستمر هذه العبارة تقرأها الأجيال المتعاقبة بمعانيها ودلالاتها، ويقرأها كل زائر وسائح لهذه المدن السياحية العريقة من ماضي العرب والمسلمين، رغم علمنا أن من كتبها لم يكن يعلم ما سيحدث في المستقبل ولا أن هذه العبارة ستبقى ما بقي الدهر. لا شك أن هذا التراث العربي العظيم يحمل في طياته جوانب العظمة والانبهار، ولكنه يحمل في الوقت نفسه أسباب ضعفه وانهياره، والواجب علينا أن نتعلم من تاريخنا ما نستفيد منه في مستقبل أيامنا. ويستحضرني قول الشاعر:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ
انتهت كلمات الكلمات ولم تنتهِ همومه فيما هو حاضر العرب، وفيما هو قادم من مستقبل العرب. لاغالب الا ه. ولعلنا جميعاً عربًا شرقًا وغربًا بحاجة لاستلهام معاني عبارة "لا غالب إلا الله" وأنها لم تكتب مصادفة بل هي قد كُتبت بعلم الله وأمره، وأعتقد أننا بحاجة ملحة إلى هذه العبارة حتى تُشكل لنا دعما معنويا وحافزاً؛ لاستنهاض حال العرب وأن ما يجري من تشرد وتشتت في حال العرب يمكن استدراكه والنهوض من جديد والعودة بقوة الى حالة التوازن الطبيعي للأمم والعطاء الإيجابي في الحياة الإنسانية من جديد، ولعل أولى خطوات ذلك هو التلاحم الوجداني والعاطفي بين العرب.
- لا غالب إلا الله
- والله غالبٌ على أمره - موقع مقالات إسلام ويب
لا غالب إلا الله
شهدت في ساعة جيوش طارق غازية من الزقاق إلى البُرتات، وشهدت مصرع عبد الرحمن
الغافقي في بلاط الشهداء، وشهدت جلاد الأجيال من المسلمين والأسبان، ورأيت عبد
الرحمن الناصر في حربه وسلمه ملء العين جلالًا ورهبةً، وملء القلب عدلًا
ورحمة. لا غالب إلا الله. ورأيت البطل ابن أبي عامر يحالف الظفر في خمسين غزوة، ويُبعد المُغار حيث نكصت
الهمم والعزائم من قبله، ورأيت دولة الأمويين تُزلزَل فتتصدع فتنهار، وأبصرت
ملوك الطوائف يتنازعون البوار والعار، ويؤدون الجزية إلى ألفونس السادس
صاغرين. ثم سمعت جلبة جيوش المرابطين يقدمها يوسف بن تاشفين، وشهدت موقعة الزلاقة
القاهرة، ثم رأيت راية المرابطين تلقف رايات ملوك الطوائف. وهذه دولة الموحدين، وهذا المنصور يعقوب بن يوسف في موقعة الأرك يحطم جيوش
الأسبان بعد الزلاقة بمائة عام، ورأيت موقعة العقاب وقد دارت على المسلمين
دوائرها، والناصر بن يعقوب يفر بنفسه بعد أن اقتحمت عليه المنايا دائرة
الحراس. ورأيت غرناطة وحيدة في الجزيرة يتيمة قد ذهبت أترابها، وصارت كما قال طارق يوم
الفتح: أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، ولكنها، على العلات، ورثت مجد
المسلمين وكبرياءهم، فجالدت الدهر عن نفسها مائتين وخمسين عامًا، وحمت حضارة
المسلمين على رغم النوائب وكَلَب الأعداء، ثم رأيت أشراط الساعة: رأيت أبا
الحسن وأخاه محمدًا يتنازعان السلطان على مرأى من العدو ومسمع، ورأيت أبا عبد
الله ينازع أباه الحسن ذلك الملك المائل، والظل الزائل، ورأيت العراك المديد
بين أبي عبد الله وعمِّه الزغَل كما تتناطح الخراف في حظيرة القصاب، وتلك جيوش
فرديناند وإيزابلا تنيخ على مدينة بعد أخرى، وتدك معقلًا بعد آخر.
تَمرُّ الأحداث وتتعاقب السنين، تَمرُّ الأيام مسرعة من غير رحمة، تحمل معها كل شيء، يُنسى فيها الأشخاص وتضيع في سرعتها الذكريات مع تفاصيلها، تلك التفاصيل التي عاصرَها أفرادها، الذين عايشوها يوماً بعد يوم، يَمرُّ الوقت فوق الأحياء وفوق البيوت والأماكن، فوق العُشب والبحر، يَمرُّ الزمان ليَمحي كل أثرٍ باقٍ ولكنه يقف عاجزاً أمام الكلمات التي سطّرتها الروح على جدرانِ التاريخ، ذلك التاريخ الممزوج بالعِزِّة أو الذُل، بالربح أو الخسارة، ذلك التاريخ الذي حمته أرواح ساكنيه وأرواح الأبطال الذين عاشوا فيه ليبقى حياً مهما طال الزمان، حيّاً كأنَّ هذا المكان لا يزال يضِجُّ بأصوات ساكنيه.
والله غالبٌ على أمره - موقع مقالات إسلام ويب
[1]
سقوط إشبيلية وغرناطة
بقيت غرناطة بعد سقوط البرتغال أحدى الدول التي تشغل منطقة الاندلس اليوم ، بقيت غرناطة على إسلامها ما يقارب من مائتان وخمسين عام كاملة ، تتساقط من حولها الإمارات ، و تضيع من أمام أعين أهلها الأراضي وتبق. هي صامدة عصية على الخضوع والإذلال، و قد عاش الأمير أبو عبد الله محمد الصغير الملقب بالأحمر وهو بعمر خمسة سنوات أحداث ، دامية في قصر والده ، وشاهد الصراعات والمؤامرات ، والمكائد تحاك ، وشاهد مذابح للمخالفين ، فكان ما شاهده من مؤامرات عامل قوي في تأثيره ، على عدم اللجوء إلى وحدة الصف ولم الشمل الإسلامي ، وقد استطاع أن يخلص لنفسه حكم غرناطة من بين أيدي المتنازعين ، ولكنه رغم ذلك يعتبر الأمير أبو عبد الله محمد في وجهة النظر التاريخية ، أنه هو أحد أسباب سقوط الأندلس وبالأخص غرناطة التي كان أمير لها.
وبقراءة متأنية لواقع العرب في هذا الزمان نجد أن حالة سقوط غرناطة تتكرر أمام أعيننا بكل تفاصيلها وأحداثها سواء من خلال تكالب الأعداء علينا أو من خلال خيانات العرب لبعضهم البعض والفرح الوهمي لانتصارات مزعومة وخداع أنفسنا وغيرنا. والسؤال المهم.. أي عبارة سنتركها لمن يأتي بعدنا حتى يتعظ من الأخطاء التي وقعنا فيها ونمارسها نحن العرب أنظمة وشعوبًا في هذا الزمان. الذي أعتقده أن طريق الانتصار على أنفسنا وأعدائنا قد يكون من خلال إعادة نشر مفهوم "لا غالب إلا الله" في كل محفل وفي كل مكان وأن نردده في أنفسنا وعقولنا قبل حناجرنا وأن تُكتب هذه العبارة في بلدٍ بلدٍ، وفي مدينةٍ مدينةٍ، وفي شارعٍ شارعٍ، وفي زنقةٍ زنقةٍ وفي كل مكان على امتداد وطننا العربي الكبير ولعلها تعيد فينا شيئاً من الحماسة الذاتية لاستعادة مجدنا العربي المسروق. نسأل الله عز وجل أن يوحد صفوف العرب ويلم شملهم ويبعد البغض والشحناء من صدورهم ويؤمنوا إيمانا يقينياً لا شك فيه بأنه "لا غالب إلا الله" حتى ولو تكالب علينا الأعداء من كل حدب وصوب. حفظ الله بلاد العرب وشعوبها من كل مكروه ومن كل شر. الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة